في الوقت الذي يتعرض فيه فخر الدين باشا، القائد العسكري التركي الذي دافع عن المدينة المنورة أثناء الحرب العالمية الأولى، لإساءة وافتراءات من أحد المسؤولين العرب، انتفض نشطاء سعوديون وعرب عبر موقع “تويتر” دفاعا عن فخر الدين باشا عبر نشر مقال لكاتب سعودي نشر قبل 3 سنوات ينصف “القائد العظيم”.
وفي مقاله الذي نشرته جريدة “المدينة ” السعودية، واسعة الانتشار، في أبريل 2014 تحت عنوان “الخيانة.. وخلف ظهرك رُومٌ!”، يتحدث الكاتب السعودي المعروف محمد الرطيان، عن رموز الخيانة في تاريخ العرب، في مقابل نموذج فخر الدين باشا الذي وصفه بـ “القائد العثماني العظيم”.
وتبلغ المقارنة أوجها في مقال الرطيان حينما يقول: التاريخ الذي يبصق على وجوه الخونة.. ينحني ليُقبّل رأس فخر الدين باشا”.
ويبرز الكاتب السعودي في مقاله موقف فخر الدين باشا الذي يسجله التاريخ بحروف من ذهب خلال دفاعه عن المدينة المنورة، حينما “يقف أمام قبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويقول: «والله لن أخونك يا رسول الله»”.
الرطيان قص سيرة فخر الدين باشا وبطولاته في الدفاع عن المدينة المنورة في سطور قليلة ولكن معبرة، قال فيها: “فخر الدين باشا القائد العثماني العظيم، وآخر حاكم عثماني في حصار المدينة المنورة: يقف بثبات داخل مسجد رسول الله.. ويحرّض جنده لمواصلة القتال”.
ويتابع :”يتواصل حصاره هو وجنده.. ويستمر حصار المدينة.. ينفد الطعام.. ينفد الماء.. تتفشى الأمراض بين جنده، وتنفد الأدوية، ويقل العتاد.. تقطع عنه الإمدادات، وتفجّر سكة حديد الحجاز”.
وأردف الرطيان مستكملا سيرة القائد العثماني: “يقف لوحده مع قوته الصغيرة وسط صحراء من الأعداء دون أي سند…”.
ومضت المقالة “يرسل له قائده يطلب منه الاستسلام، يرفض.. ويبحث عن أي حجة، ويقول في رسالة الرد: هذه ليست أي مدينة حتى انسحب منها أو استسلم.. إنها مدينة رسول الله. لا بد أن يأتيني الأمر من الخليفة نفسه!”.
ويتابع: “يأتيه أمر الخليفة بجواب من وزير العدل يأمره بتطبيق معاهدة موندروس وتسليم المدينة للحلفاء.. ويرفض، قائلا: «إن الخليفة يعد الآن أسيرا في يد الحلفاء، لذا فلا توجد له إرادة حرة».. ويرفض أن يستسلم، معرضا نفسه للمحاكمة والعزل وتهمة خيانة الأوامر العسكرية… (سيسجل التاريخ أنها أطهر وأعظم وأشرف خيانة).”
ويتابع الرطيان بكلمات تستحضر نبل فخر الدين باشا قائلا: “يقف أمام قبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويقول بلغة عربية مكسّرة وعزيمة صلبة متماسكة: «والله لن أخونك يا رسول الله».. يتساقط جنده وضباطه، وقبلها دولته، وكل شيء حوله يقف ضده… قال للقلة التي بقيت معه: اخرجوا أنتم، وأنا سأبقى هنا… لا يدرون ما الحيلة مع قائدهم!..”.
وتابع: “أحاط من تبقى منهم بفراشه وحملوه قسرا وهم يبكون ليخرجوه إلى الخيمة المعدة له من جانب «حلفاء» الحلفاء”.
ويختتم الرطيان حديثه قائلا “التاريخ الذي يبصق على وجوه الخونة.. ينحني ليُقبّل رأس فخر الدين باشا”.
المقال الذي ينصف فخر الدين باشا، قام كثير من النشطاء السعوديين والعرب بإعادة نشره، واصفين إياه بأنه “مقال كالألماس نادر جدا وقوي جدا ولامع جدا… يكفي ويشفي”.
ومؤخرا، أعاد وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، نشر تغريدة ادعى خلالها كاتبها ارتكاب فخر الدين باشا جرائم ضد السكان المحليين.
وأثارت التغريدة موجة غضب كبيرة في تركيا، ودفعت بالرئيس رجب طيب أردوغان إلى مخاطبة ناشر التغريدة بالقول “حين كان جدنا فخر الدين باشا يدافع عن المدينة المنورة، أين كان جدك أنت أيها البائس الذي يقذفنا بالبهتان؟”.
واستدعت الخارجية التركية، الخميس، القائمة بأعمال سفارة الإمارات لدى أنقرة خولة علي الشامسي، وتم إبلاغها استياء أنقرة من نشر وزير خارجية بلادها تغريدة مسيئة لـ “فخر الدين باشا”.
يشار أن “فخر الدين باشا” الذي لقبه الإنجليز بـ “نمر الصحراء التركي”، اشتهر بدفاعه عن المدينة المنورة جنبا إلى جنب مع سكانها المحليين طوال سنتين و7 أشهر (ما بين 1916 ـ 1919) رغم إمكاناته المحدودة في مواجهة البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى.
ورغم الأوامر من إسطنبول، والضغط من الإنجليز حول تسليم المدينة المنورة وتركها، رفض فخر الدين باشا ترك مدينة الرسول محمد (ص)، واستمر في المقاومة، حتى اعتُقل أسير حرب، وأُرسل إلى مالطا لمدة ثلاث سنوات، وبفضل جهود حكومة أنقرة جرى إطلاق سراحه عام 1921، ثم تعيينه لاحقا سفيرا لتركيا لدى أفغانستان.
وتعيد “الأناضول” نشر مقال الكاتب السعودي محمد الرطيان.
الخيانة.. وخلف ظهرك رُومٌ!
للكاتب محمد الرطيان
(١)
«أبو رغال» أحد رموز الخيانة العربية، بل إن العرب صارت تنعت كل خائن بـ «أبي رغال» حتى أصبح اسمه مرادفا للخيانة.
عندما قرّر أبرهة غزو الكعبة وهدمها، بحث عن دليل عربي يدله على طريق مكة، جميع من عرض عليهم هذا الأمر من العرب رفضوا رغم الإغراءات والتهديدات، إلى أن وصلوا إلى «أبي رغال» الذي وافق مقابل أجر معلوم ليكون دليلاً لجيوش أبرهة.
ظلت العرب لقرون (منذ الجاهلية) وهي ترجم قبره لأنها تحتقر الخيانة والخونة، بل إنهم قبل الإسلام جعلوا رجم قبره جزءًا من شعائر الحج.
(٢)
العبد الذي يتم سبيه: يُباع ويُشترى في أسواق النخاسة رغمًا عن إرادته المسلوبة.
الخائن: يذهب إلى أسواق النخاسة بإرادته ليعرض نفسه لمن يدفع أكثر!
الخائن لم – ولن – يكون حرًا أبدًا.. حتى وإن ظن ذلك.
(٣)
لا تُمذهب الخيانة.. هي طبيعة الوضيع الحقير الذي يمكنك شراءه بأي سعر.
عندما تتذكر اسم «ابن العلقمي» فلا تنظر لخيانته بشكل مذهبي.. وإن فعلت، فتذكّر بإنصاف اسم «سيف الدولة الحمداني» – وهو شيعي أيضًا- الذي أمضى عمره وهو يقاتل الروم لوحده ويدافع عن الأرض العربية ضد الغزاة، وعليك أن تغني مع «المتنبي»:
أنتَ طُولَ الحَيَاةِ للرّومِ غازٍ
فَمَتى الوَعْدُ أن يكونَ القُفولُ
وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ
فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ
والروم الذين أمام سيف الدولة، وأمامك.. تراهم، وتعرفهم بشكل جيّد.
المشكلة في «الروم» الذين يقفون خلف ظهرك.. وما يزالون يقفون هناك!
(٤)
أخطر الخونة: خائن تتم صناعته من الأعداء باحترافية ومهارة ويتم تصديره لك وترويج أفكاره حتى يصبح وجهًا مألوفًا – ومقبولاً لدى البعض- ليعمل تحت الضوء
بصفات وأسماء مختلفة.
يتم تلميع «الخيانة».. تصبح: وجهة نظر، أو: رأي آخر..
تتسرب إليك عبر عبارات أنيقة ورائجة، وأحيانًا عبر بعض القيم الإنسانية!
انتهى «الخائن» التقليدي.. الآن هنالك مؤسسات ودول ومنابر تستطيع أن تصنع
لك «الخائن» الأكثر حداثة.. الخائن اللامع الأنيق الذي يأتيك بمسميات مختلفة وأنشطة إنسانية.
الخائن التقليدي يدل الأعداء على الطريق… يفتح لهم باب القلعة… يدلهم على الثغرة.
الخائن الحديث يصنع الطريق والثغرة… يجعلهم يتجولون داخل القلعة كأصدقاء… ويجعلك تعتاد على هذا الأمر، وتنظر إليه كشخص له قيمته، ومقامه، ومؤسسته المدعومة من الخارج، وصورته اللامعة بالفلاشات المستأجرة وهو يستلم الجائزة المشبوهة!
(٥)
عندما تجد في كتاب التاريخ سطرًا يقول لك:
أن أول زعيم عربي خان أمته وتآمر عليها وقاتل بجانب الأعداء في الأندلس هو «سليمان الأعرابي».. التاريخ هنا لا يحفظ اسمه، هو فقط يبصق عليه بشكل سريع!
التاريخ يذهلك ويفجعك بحكايات الخونة رغم عظمة آبائهم وأجدادهم: أحد أحفاد الفاتح العظيم «صلاح الدين الأيوبي» سلّم القدس بكل حقارة للصليبين في صفقة قذرة، فقط لينصروه في حروبه الداخلية على عمه!
(٦)
لا أصل للخيانة، لا عِرق للخيانة، لا لون للخيانة:
عندما تُصاب بالغثيان من أسماء الخونة الذين يشبهون أسماءنا ولهم نفس ملامحنا، تذكّر أسماء الغرباء الذين وقفوا بجانبنا:
– «جورج غالاوي» سياسي بريطاني أمضى عمره يدافع عن القضية الفلسطينية. حاول
– مع آخرين- كسر الحصار وتم منعه وضربه.. اسمه «جورج» والعسكر الذين منعوه أسماؤهم: محمد وأحمد وعلي وعبد السلام…!
– تذكّر أيضًا اسم «راشيل كوري» شابة أمريكية ماتت تحت عجلات وأسنان جرافة إسرائيلية وهي تحاول منعها من هدم بيت فلسطيني.
(٧)
فخر الدين باشا القائد العثماني العظيم، وآخر حاكم عثماني في حصار المدينة المنورة: يقف بثبات داخل مسجد رسول الله.. ويحرّض جنده لمواصلة القتال.
يتواصل حصاره هو وجنده..
الدولة العثمانية تتساقط أطرافها بضربات الحلفاء، وتوقع معاهدات الاستسلام، ويستمر حصار المدينة..
ينفد الطعام..
ينفد الماء..
تتفشى الأمراض بين جنده، وتنفد الأدوية، ويقل العتاد.
تقطع عنه الإمدادات، وتفجّر سكة حديد الحجاز.
يقف لوحده مع قوته الصغيرة وسط صحراء من الأعداء دون أي سند.
يأتيه التلغراف من إسطنبول يدعوه للاستسلام.. يتجاهله.
يرسل له قائده يطلب منه الاستسلام، يرفض.. ويبحث عن أي حجة، ويقول في رسالة
الرد: هذه ليست أي مدينة حتى انسحب منها أو استسلم.. إنها مدينة رسول الله.
لا بد أن يأتيني الأمر من الخليفة نفسه!
يأتيه أمر الخليفة بجواب من وزير العدل يأمره بتطبيق معاهدة موندروس وتسليم المدينة للحلفاء.. ويرفض، قائلاً:
«إن الخليفة يعد الآن أسيرًا في يد الحلفاء لذا فلا توجد له إرادة حرة»..
ويرفض أن يستسلم، مُعرضًا نفسه للمحاكمة والعزل وتهمة خيانة الأوامر العسكرية… (سيسجل التاريخ أنها أطهر وأعظم وأشرف خيانة).
يقف أمام قبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ويقول بلغة عربية مُكسّرة وعزيمة صلبة متماسكة:
«والله لن أخونك يا رسول الله».
يتساقط جنده وضباطه، وقبلها دولته، وكل شيء حوله يقف ضده… قال للقلة التي بقيت معه: اخرجوا أنتم، وأنا سأبقى هنا… لا يدرون ما الحيلة مع قائدهم!..
أحاط من تبقى منهم بفراشه وحملوه قسرًا وهم يبكون ليخرجوه إلى الخيمة المعدة له من جانب «حلفاء» الحلفاء.
التاريخ الذي يبصق على وجوه الخونة.. ينحني ليُقبّل رأس فخر الدين باشا.
(٨)
انزع ملابسك واستبدلها بملابس جديدة ومختلفة عمّا اعتدنا عليه.. أنت: حر.