إن العرب اليوبوسيون هم أول من بنى مدينة القدس وسموها أورسليم، وآثارهم موجودة حتى الآن في المدينة، وتشهد على ذلك نصوص التوراة، وفي القدس بنى أبونا آدم ثاني مسجد على وجه الأرض؛ فأول مسجد هو المسجد الحرام، قال تعالى: “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ” آل عمران/96، وفي الصحيحين عن أبي ذر رضى الله عنه قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وُضِع في الأرض فقال المسجد الحرام قلت ثم أى قال المسجد الأقصى”، وأيام سيدنا نوح كان الطوفان قد أغرق بيت المقدس لكن سيدنا إبراهيم أعاد بناءه سنة 2000 قبل الميلاد تقريباً، ثم استولى العمالقة على القدس قُبَيل بعثة سيدنا موسى عليه السلام، وهدموا بيت المقدس، واستطاع سيدنا سليمان إعادة بناء بيت المقدس في سنة 995 قبل الميلاد تقريباً؛ فسيدنا سليمان قام بتجديد بيت المقدس وليس تأسيسه، بعد دخول يوشع بن نون بيت المقدس بعدة قرون، وقد توفي سيدنا سليمان عليه السلام سنة 950 ق. م، وظل بعده الهيكل “بيت الرب” عامراً، لكن اليهود أفسدوا في الأرض فسلط الله عليهم أعداءهم، يقول ابن كثير: (دخل بختنصر بجنوده بيت المقدس ووطأ الشام كلها وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وقذف الكناسات في بيت المقدس وذبح فيه الخنازير) قصص الأنبياءج2 وكان ذلك سنة 586 قبل الميلاد، قال الكلبي: (من ذلك الزمان تفرقت بني إسرائيل في البلاد).
(فلما استولى كورش أحد قواد الفرس على بابل وكان بها عدد كبير من اليهود أذن لهم بالرجوع إلى القدس وعمارة البيت) تاريخ ابن خلدون ج2، وكان ذلك حوالي سنة 536 قبل الميلاد، (وفي سنة 320 قبل الميلاد قدم بطليموس خليفة الإسكندر فهدم القدس ودك أسوارها) المرجع السابق.
(وفي سنة 170 قبل الميلاد هاجم أوسليم أنطوخيوس وهدم أسوارها وهيكلها ونهب ما فيها وقتل من أهلها أربعين ألفاً في ثلاثة أيام) المرجع السابق.
(وفي سنة 63 قبل الميلاد أغار الرومان بقيادة بامبيوس على أورسليم ،وضربها بالمنجنيق وهدم أسوارها ومبانيها) المرجع السابق.
(وفي عام 70 ميلادية سار القائد فسبسيان الروماني فحاصر أورسليم وترك ابنه تيطس ليقتحم المدينة ويدمرها ويقتل الآلاف من اليهود ويحرق الهيكل) المرجع السابق.
واستطاع اليهود في الفترة ما بين سنة 70 ميلادية وسنة 135 ميلادية أن يعودوا إلى بيت المقدس تحت حكم الرومان، وأن يعدوا للثورة على الحكم الروماني؛ فأرسلت روما والياً حازماً هو يوليوس سيفيروس فاحتل المدينة وقهر اليهود وتشتت الأحياء منهم تحت كل كوكب، ودمر يوليوس المدينة سنة 135 ميلادية) المرجع السابق.
يقول صاحب كتاب تاريخ الإسرائيليين أ/ شاهين ماكاريوس: (إلى هنا ينتهي تاريخ الإسرائيليين كأمة، فإنهم بعد ذلك تشتتوا في جميع الأرض، وصار تاريخهم ملحقاً بتاريخ الممالك التي توطنوها، وحَذَرَ عليهم الرومان دخول أورسليم طيلة المدة التي كانت فيها تابعة لحكمهم الذي قضى عليه المسلمون سنة 637هجرية)، والموافق 1239ميلادية.
ولعلكم تذكرون حطين وهزيمة صلاح الدين للصليبيين هزيمة منكَرة وفتحه لبيت المقدس في ذكرى الإسراء 26رجب سنة 583هـجرية 1187ميلادية، وقد أسر ملك بيت المقدس وحرر الأقصى بعد أن ظل في يد الكفار قرابة التسعين عاماً.
والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين وله أعظم مكانة في نفوس المسلمين وقد اتجهوا إليه في الصلاة خلال الفترة المكية وخلال الجزء الأول من فترة المدينة حتى أُمروا بالتحول إلى المسجد الحرام، وظلت قلوب المسلمين من وقتها معلقة بهذا البيت المبارك، ومن ناحية أخرى يعتبر هذا المكان ذا صلة عميقة الأثر بين السماء والأرض في نفوس المسلمين جميعاً كيف لا؟ وهو مكان معراج النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة شاهد فيها الأنبياء جميعاً وصلى بهم، قال تعالى: ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ” الإسراء/1، ثم إن أمير المؤمنين عمر تسلم مفاتيح المدينة بنفسه ورفض أن يصلي في الكنيسة حتى لا يقول المسلمون من بعده هنا صلى عمر ويتخذونها مسجداً، وشتان بين هذه العقلية الإنسانية التي تحافظ على المقدسات وبين العقلية الإسرائيلية المدمرة التي تلعب بالنار، وتُزَوِر التاريخ وتنتهك حرمة المقدسات.
وخلاصة القول أن المملكة الصغيرة التي أقامها سيدنا سليمان المتوفى سنة 950 قبل الميلاد ولمدة زمنية قصيرة “70سنة” ومنذ آلاف السنين، هذه المملكة والهيكل “بيت الرب” الذي جدده سليمان عليه السلام ولم يبنيه، إنما جدده على دين الله الذي جاء به جميع الأنبياء، إنه بيتٌ لله بناه الأنبياء، فعن بن عباس رضى الله عنهما قال: البيت المُقدَّس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبي أو قام فيه مَلَك” انظر إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي، وبالبناء على كل ما سبق فإن دعوى الحق التاريخي لليهود في القدس هى دعوى مثيرة للسخرية والإشمئزاز لا يمكن قبولها لا عرفاً ولا واقعاً فقد استقر المركز القانوني فيها للمسلمين منذ مئات السنين، ويا تُرى هل يقبل الأمريكان وكرمب أن يعيدوا أمريكا إلى الهنود الحمر علماً بأن وجود الأمريكان في القارة الأمريكية عمره قصير، إن هيكل سليمان ما هو إلا واحداً من آلاف دور العبادة التي اندثرت عبر التاريخ، ومما تجدر الإشارة إليه أن الحائط الذي يسمونه حائط المبكى إنما هو أيضاً حائط عربي بكل أحجاره كما تؤكد أسانيد التاريخ وليس له أية علاقة بما يقال عن الهيكل القديم… وإلى لقاء قادم بإذنه تعالى