بقلم | أ. جمال فريد الغانم
من المريع أن تقرأ مقالا لكاتب مسلم أو من خلفية إسلامية بعنوان:
“حتمية سقوط الرأسمالية” أو “حتمية انهيار الرأسمالية” .
هذه الخرافات “الحتمية” بثها الشيوعيون ومن ثم أعجب بها بعض الكتاب من التيار الاسلامي دون أن يفكروا فيها؛ والسبب ربما هو أنها تتقاطع مع القدرية الغيبية التي يعشقها الكسالى ويقدسونها؛ لأنها ترفع عنهم واجب القيام للتغيير. فالقدرية الغيبية تلقي بواجب التغيير على القدر؛ بالتالي يتخلصون من إثم التقصير والتكاسل عن القيام للتغيير، وواجب تغيير المنكر، وواجب رفع الظلم.
الشيوعيون كتبوا عن الحتمية التاريخية وأصروا عليها مع أن الواقع أثبت عدم صحتها، فالشيوعية ظهرت في روسيا رغم أن روسيا لم تكن قد أصبحت بلدا امبرياليا صناعيا؛ أي أن روسيا لم تصل قمة هرم الرأسمالية، ثم انتقلت بشكل حتمي للاشتراكية ثم للشيوعية .
الشيوعية زعمت أنه بعد الإقطاع يحصل تطور نتيجة التناقض في المجتمع فتنتقل المجتمعات إلى الرأسمالية، ثم وبواسطة الصراع والتناقض تنتقل المجتمعات من جديد إلى الاشتراكية، ثم تتطور إلى الشيوعية وهذا عندهم هو قمة التطور.
في الصين نشروا خرافة الحتمية التاريخية في ثقافة الحزب الشيوعي، ولكن على أرض الواقع قفزت الصين من الإقطاع إلى الشيوعية، وحديثا بعد الثمانينات تحولت الصين إلى مجتمع صناعي بقفزة جديدة تناقض خرافة الديالكتيك والحتميات، وهذه القفزة جاءت بأموال امبريالية أمريكية رحلت إلى الصين لرخص اليد العاملة، ولغياب نقابات العمال، ولغياب القوانين التي قد تكبل أيدي اصحاب رؤوس الأموال. وأعطاهم الأمريكان تكنولوجيا حيث من السهل عدم التقيد بقوانين الملكية الفكرية، فلم تكن أدوات الإنتاج سببا في التطور، ولا كان التناقض طريقا للنهضة، بل ظهر في الصين منذ بضع سنوات مليارديرات ومليونيرات يملكون القصور والسيارات والطائرات الخاصة من أغلى الأنواع، أي أنك تلمس أن الصين تقهقرت من الشيوعية نحو شيء من الرأسمالية المختلطة.
الحق والحقيقة هي :
“أن الله لا يغير بل أنتم ايها الناس من يغير “.
الله لا يحابي.
من يدرس ينجح.
من يزرع يحصد.
من يحسن السباحة لا يغرق.
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
قم للتغيير إن كنت تريد التغيير.
الظلم ليس سببا في انهيار الأنظمة.
العدل ليس سببا في استمرارية النظام.
الأنظمة لا تزول إلا إذا قام الناس الفاعلون لاستبدالها بانظمة أخرى.
الناس المؤثرون في الدول الرأسمالية لن يحطموا الرأسمالية ولن يقضوا عليها؛ لأنهم لا يعرفون نظام بديل، ولا يملكون ثقافة عن نظام بديل (باستثناء الاشتراكية التي يعتقدون أنها فاشلة، وكذلك فإن معلوماتهم عن الاسلام مشوهة، فهم لا يعلمون أنه نظام كامل بل يظنونه مجرد دين وكهنوت وطقوس).
الناس العاديون في أمريكا خرجوا يصرخون ضد وول ستريت، وضد الرأسمالية، ولكنهم يظنون أن البديل هو الديمقراطية !!
نعم يريدون الديمقراطية ظنا منهم أن الديمقراطية قد تحد من نفوذ رجال المال والشركات الكبرى، ولكن؛ ماذا عن النظام؟ ما البديل؟ هم لا يعرفون.
الديمقراطية ستلد أنظمة رأسمالية لأنها لا تعرف طريقا آخر.
الديمقراطية ستلد الحريات من جديد فهي تقدسها، والحريات ستلد النظام الرأسمالي لأنها تقدس حرية التملك، وستلد “دعه يعمل دعه يمر”، وستلد “أعط ما لقيصر لقيصر”، وستلد “البقاء للأقوى”، وستلد “الحل الوسط”، وستلد “المساواة بين الرجل والمرأة”، وستلد خرافة التطور والنشوء والارتقاء.
لا تطور عبر طفرات؛ فالطفرة وهم لجأوا للقول بها كي لا يعترفوا بالخالق.
الخلاصة :
لا سقوط حتمي حتى لو كان النظام ظالم جائر فاسد مقزز .
التغيير يتم إن قام الناس الفاعلون للتغيير مدركين للبديل مؤمنين به.
اللهم هيء لنا من أمرنا رشدا.
** ملحوظة : جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن الجورنال