بقلم| أ. جمال فريد الغانم

ربما ينطبق الكلام الوارد في مقال الاستاذة آيات عرابي على الإخوان المسلمين (اخوان مصر وما تفرع عنهم)، أولئك الذين أطلقت عليهم الأخت آيات عرابي وصف التيار الإسلامي. لكن التيار الإسلامي أوسع من ذلك؛ فالعالم الاسلامي أكبر من مصر.

وفي هذا المقال نستعرض شيئا من تاريخ حزب التحرير كحزب إسلامي أصيل، يحمل أفكارا ومفاهيم إسلامية نقية، ولم يكن يوما متأثرا بالتيارات الفكرية التي تناولتها الأستاذة آيات عرابي في مقالها حيث عابت على التيار الاسلامي تأثره بها.

حزب التحرير الذي انتشر في بلاد الشام والعراق وبعض المناطق الأخرى، كتونس وتركيا وإندونيسيا، وبين المهاجرين في أوروبا، وهو حزب أسسه علماء أزهريون في الخمسينات، ويحمل فكراً مناقضاً تماماً للأفغاني، ومحمد عبده، والطهطاوي، وطه حسين، وقاسم أمين، ومحمد عمارة، وزكي محمود نجيب، ومن لفّ لفهم من دعاة العلمانية والتمييع والتضليل.

يتبنى حزب التحرير فكراً يعادي الرأسمالية والليبرالية ومشتقاتها، ويهدم فكرة الديمقراطية؛ بل ويثبت أنّها كفر، وأنّها باطلة، كما يعادي ويفند الوطنية والقومية وضلالاتهما، كما يثبت بطلان الاشتراكية، والشيوعية، فهو يهدم هذه المبادئ والأنظمة الدخيلة ويسعى إلى بناء مجتمع ليس فيه إلا أحكام الإسلام، وأفكار الإسلام، وأخوة الإسلام، ولا يقبل إلا نظام الخلافة الراشدة الذي يستمد كل أفكاره وقوانينه من الكتاب والسنة، وما انبثق عنهما، فلا مزاوجة مع أنظمة الكفر؛ فالعقيدة الاسلامية وما انبثق عنها من أنظمة هي الحكم الإسلامي. ولم يكتف حزب التحرير بالتأسيس الفكري، فقد صاغ الأحكام التي جاء بها الشرع الإسلامي على شكل دستور إسلامي؛ استنبطت كل مواده من الآيات ومن الأحاديث النبوية فقط؛ لأنّه يرى أنّ الإسلام يجب أن يظل نقياً؛ وأن الفكر الإسلامي قائم بذاته، لذلك فإن الحزب يرى أنّ ما يتوافق مع الإسلام ليس هو الإسلام.

وقد اطلع الدكتور صفوت حجازي على هذا الدستور، وصرح بذلك في لقاء جمعه مع الدكتور حسن نافعة على قناة الجزيرة في عام ٢٠١٢ حيث قال في معرض حديثه عن الدستور المقترح من قبل الاخوان في مصر حينها: (يا أخي هذا الدستور ليس إسلامياً، ولكن أقول للعلمانيين وافقوا عليه خير من أن يأتيكم دستور إسلامي حقيقي مرعب. فقال له حسن نافعة: هل هذا موجود؟! فأجاب الدكتور صفوت حجازي: نعم هنا في مصر، حزب التحرير أصدر دستوراً إسلاميا عندما قرأته ارتعبت والله ارتعبت ! وهو موقف غريب من الدكتور صفوت حجازي، ووالله ما نظن به إلا خيراً، وهو من بشر بأنّ الخلافة قادمة وستكون عاصمتها القدس الشريف إن شاء الله، فما الذي أرعبه من دستور مشروع دستور حزب التحرير الذي يحاول فيه العمل على إقامة خلافة راشدة على منهاج النبوة ؟!

ونحن نرجو منه ومن جميع العاملين للإسلام، الساعين لتطبيق شرع الله بحق مراجعة مشروع الدستور هذا المقترح من حزب التحرير، وكتاب “مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له” الذي أورد جميع مواد مشروع دستور دولة الخلافة الـ 191 مادة مادة بأدلتها التفصيلية من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي المعتبر، وعرضه على الناس ومناقشته. ومما يتمسك به حزب التحرير أنّه يرى أن دار الإسلام لها صفات أصّل لها علماء الأمة منذ أكثر من ألف سنة، فهي الدار التي تعلوها أحكام الإسلام وأمانها بأمان المسلمين، وبذلك لا يفرق بين المسلمين حدود؛ بل يجب أن يحكمهم خليفة واحد جميعهم، فهذا حكم شرعي غير خاضع للتبديل ولا للظروف السياسية.

وبذلك يتبين أنّ حزب التحرير اتخذ سنة رسول الله أسوة في كل تصرف، وكل حركة قام أو يقوم بها، بدءا من اليوم الأول، بدءاً من التكتل النبوي وكيفية تشكله، ومراحل الدعوة والكفاح والنضال، إلى أن يصل إلى مرحلة استلام الحكم، وما بعد استلام السلطة. وتخوفاً من هذا الفكر الإسلامي النقي، فقد ظلت الدول تمارس حظراً على ذكر اسم حزب التحرير، وتمنع وسائل الإعلام من مدحه أو قدحه؛ اتباعاً لسياسة تعتيم ممنهجة، رغم أنّ الآلاف من اتباعه ارتادوا السجون بسبب نقاش، أو توزيع نشرات، أو إلقاء كلمة في مسجد. فلم تخل سجون الأردن أو سورية أو العراق او تركيا يوماً من سجناء تهمتهم الانتماء إلى حزب التحرير.

فمنذ الخمسينات حتى يومنا هذا يتم حبس كل من يحمل نشرة من نشرات حزب التحرير التي يصرّ حزب التحرير على توزيعها في كل مناسبة؛ لتحذير الناس من مكائد الحكام ومؤامراتهم على الأمة. وقد تم حبس الكثير من شباب حزب التحرير بتهمة العمل لقلب نظام الحكم، فقد جرى اعتقال عدد من شباب الحزب في تونس سنة ١٩٨٤ وسنة ١٩٨٥، واعتقل ضباط ومدنيون في العراق سنة 1973، واعتقل عدد من الضباط والمدنيين في سورية سنة 1976، ومن قبل تم اعتقال المئات في الأردن سنة 1969. وجرى اعتقال العشرات في مصر سنة ٢٠٠٤ بتهمة الانتماء إلى حزب التحرير، كما تم اعتقال مجموعة من الضباط والمدنيين في باكستان سنة ٢٠١١ بتهمة العمل لصالح حزب التحرير ومحاولة قلب نظام الحكم. ويجدر بنا الإشارة إلى بعض الكتب التي أصدرها حزب التحرير، وبيّن فيها الفكر الإسلامي الذي يتبناه، وما يحمله من أنظمة سياسية واقتصادية إسلامية، بعد دحض الأفكار والمبادئ الأخرى كالديمقراطية، والشيوعية، والقومية وغيرها، ومن هذه المؤلفات: الديمقراطية نظام كفر – عبد القديم زلوم. الديمقراطية وحكم الاسلام فيها – حافظ صالح. مقدمة الدستور أو الأحكام الموجبة له. كتاب نقض الاشتراكية الماركسية – غانم عبده. مشروع دستور اسلامي نقي بعنوان مقدمة الدستور او الاسباب الموجبة له. نظام الحكم في الاسلام – تقي الدين النبهاني. كتاب الفكر الاسلامي – محمد محمد اسماعيل. مفاهيم سياسية لحزب التحرير. نظرات سياسية لحزب التحرير. التكتل الحزبي. نظام الإسلام – تقي الدين النبهاني. السياسة الاقتصادية المثلى – عبدالرحمن المالكي. النظام الاقتصادي في الاسلام – تقي الدين النبهاني. المعاهدات الدولية في الشريعة الاسلامية

** ملحوظة: جميع مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بأي حال عن موقع الجورنال