بقلم| محمد عبد العزيز
لكل توجه، لكل تصرف، لكل سياسة، لكل نشاط، لكل عمل، لكل نية، لكل فعل او رد فعل، لكل شيء، معيار و ميزان.
قد يكون الميزان مادة او معنى، أداة قياس تزن الأثقال و الأطوال و المساحات و الأحجام و الكميات. أو قد يكون دين أو مبدأ أو عرف أو دستور أو قانون يفرض و يحدد معايير للخطأ و الصواب، للثواب و العقاب، لما ينبغي و مالا ينبغي.
إن تقدم و تخلف و بقاء و فناء المجتمعات مرتبط وجودياً بالوزن و الميزان، وكل خلل في أحدهما يقابله خلل و خراب مجتمعي مؤكد يتناسب طرديا مع خلل الوزن و الميزان. و مراتب الخلل في الوزن و الميزان ثلاثة:
أولها التطفيف العارض: و هو الخطأ في الوزن بين وقت و آخر، سواء نشأ عن قصد أو جهل أو استهتار، عن سوء نية، أو حسن نية من القائم على الميزان، فكل تطفيف يمثل انتقاصاً و انتكاساً و حجر عثرة يوضع في طريق التقدم و التطور و الوئام المجتمعي، و بالرغم من الخسائر الكبيرة و المفاسد العظيمة لهذا النوع إلا أنه أقل أصناف اختلال الوزن ضرراً على المجتمع، حيث يمكن تداركه بالرجوع إلى الميزان و استبدال القائم عليه في أي وقت طالما بقي الميزان بخير.
و ثانيها التطفيف الدائم: و يكون بالعبث في الميزان ذاته بإحداث خلل متعمد في آلية الميزان أو مرجعيته أو مؤشراته أو معادلاته ليعطي نتائج و قراءات مغلوطة و غير دقيقة، و هذا أعظم خطراً من التطفيف العارض حيث ينتفخ الفساد و تستقر المفاسد و تتعاظم الخسائر، و لا يعود الرجوع إلى الميزان مجدياً قبل إصلاح الميزان ذاته أو استبداله.
و ثالثها كسر الميزان: و فيه يتم التخلص من المفاهيم و المعايير و أدوات و مراجع القياس ليحل القَـيِّـم الفاسد محل الميزان، فيزن كل صاحب منصب و مستقو و مستعلٍ بأهواء ذاته. و هنا لا تتفائلوا و تظنوا أن المجتمع سيتحول إلى غابة حيوان،… هيهات.. فغابة الحيوان لها معادلات و موازين كونية ثابتة تحقق استمرارها و بقائها و تضمن لها أن تتمتع معظم مخلوقاتها بفرصة مناسبة في الحياة.
إن الوصف الذي تتحول إليه المجتمعات عند كسر الموازين هو شيء أسوأ و أبشع من أن نجد له وصفاً محدداً، فعندها ستكون حياة الحيوانات أحلام اليقظة و نهاية الأمل و غاية المُنَى. لقد بدأت عصابة العملاء التي استولت على حكم مصر بقوة السلاح في 30/6/2013 ء باتباع نهج أسلافهم في تخريب الميزان فالغوا الدستور و القوانين و شرعوا لأنفسهم ما يحقق لهم و لأعوانهم و حاشيتهم حالة من التطفيف الدائم الذي يصب في مصالحهم، و لما لم يكفهم ذلك و يرضي أطماعهم و يحقق لهم المطلوب، لجأوا إلى كسر كل الموازين بلا استثناء فلا أبقوا على نظام ولا دين و لا شرع، و لا عرف و لا مبدأ و لا عقيدة سوى رغبات و أهواء القَـيِّـم الفاسد وزبانيته الذين هم مجرد أدوات تعمل على مدار الساعة لتنفيذ أجندة أعداء الأمة بتخريب و تدمير و تبديد و تمزيق هذا البلد و القضاء على حاضره و مستقبله.
لا أحب التشائم لكني أُفَضِّل الحقائق المجردة و لو كانت علقماً، فكل الشواهد تصرخ: إن مصر في ظل استمرار هؤلاء السفلة هالكة لا محالة فقد سلكوا بها و بسرعة الضوء طريق الفناء المضمونة و المعادلة واضحة لمن بقي له نصف عقل و لا تحتاج لعبقرية.
نداء أبريء به ذمتي أمام الله. إلى كل مسلم و كل ثائر للحق، كفاكم عبثاً، قاتلوهم و أعيدوا الموازين بأسرع وقت و بأي ثمن فما ينتظركم من جراء أسوأ احتمالات و تداعيات الحرب أهون كثيراً مما سيفعلون بكم و بمصر و بالمنطقة العربية كلها و بالإسلام و المسلمين.