بقلم| محمد عبد العزيز

يمكن تعريف المُستَرزِقون بأنهم مَنْ يطلبون الرزق على اختلاف مشاربهم و توجهاتهم، أما المرتزقة فأمر آخر.. حسب معاجم اللغة العربية : يقصد بكلمة مُرْتَزِقَةٌ: مَنْ يحاربون في الجيش طمعًا في المكافأة المادِّيَّة، وغالبًا ما يكونون من الغرباء، و تطلق أيضاً وصفاً على جنود يحاربون في سبيل بلاد غير بلادهم لقاء أجرة يتقاضونها، و معنى جُنْدِيٌّ مُرْتَزِقٌ : جُنْدِيٌّ يَتَّخِذُ مِنَ الْحَرْبِ وَسِيلَةً لِلارْتِزَاقِ.

أقسام المحاربين: مبدئياً يمكن تقسيمهم المحاربين بصفة عامة إلى مرتزقة و عقائديون. فالمحارب العقائدي هو المحارب الذي يحارب من أجل عقيدة ما بصرف النظر عن صحتها من بطلانها، سواء كانت عقيدة دينية أو أخلاقية أو فكرية أو حتى عقيدة عصبية قبلية أو وطنية أو قومية أو حتى عرقية. أما المحاربين المرتزقة فهم الذين ينضمون للجيوش أساساً من أجل الحصول على الرواتب و الامتيازات دون اعتبار لمبدأ أو عقيدة، فهم بمثابة قتلة مستأجرين يقاتلون لصالح الجهة التي استأجرتهم، لا يعنيهم المبدأ ولا من على الحق أو الباطل.

و بينما يتمتع المحاربين العقائديين بالاحترام و التقدير حتى في العقائد الباطلة باعتبارهم يدافعون عن مبادئ شعوبهم و قبائلهم، يعتبر المحاربين المرتزقة أحقر أصناف المحاربين، و تُجمع الملل الصحيحة و الباطلة على وصف المحاربين المرنتزقة بأنهم أقذر أنواع المجرمين القتلة. الحرب و المحاربين في الإسلام. مبدئياً لا يقر الإسلام الحرب إلا في ظروف استثنائية لقضية عادلة لا يمكن تحقيقها بوسائل أخرى أقل ضرراً من الحرب، ولا يتناقض هذا المبدأ مع واقع أن الإسلام يُحارَب و يُحارِب منذ نشأته بلا هوادة، فالظروف الاستثنائية التي تقتضي الحرب لازالت قائمة و مستمرة. كذلك لا يحل لمسلم بحال أن يحترف القتال إلا وفق ضوابط و أغراض الشريعة الإسلامية، فجيوش الإسلام في المقام الأول جيوش عقائدية، حددت الشريعة الإسلامية مرجعها الفكري و الروحي و منهجها العملي، فالمسلم لا يقاتل إلا لنصرة قضية عادلة، خلف قيادة شرعية، و تحت شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا بغي بغير حق ولا عدوان إلا على الظالمين، فأساس الحرب في الإسلام الجهاد في سبيل الله، فلم يشرع الإسلام التضحية بالنفس إلا لتحقيق أغراض الحرب المشروعة في الإسلام، مثل القصاص، و دفع الأذى، و نصرة الحق، و ردع البغاة و المعتدين، و تأديب المفسدين، و هدم معاقل الشر، و إصلاح الأضرار، وحراسة و تأمين حدود دولة الإسلام، و تحييد الكفار و المشركين، و نشر الإسلام و رفع راية لا إله إلا الله، و حماية أهل الذمة و المعاهدين، و تمكين الحق و العدل الذي يرتضيه رب العالمين.. ومع أن الأصل في الجهاد التطوع إلا أن توفير رواتب و معايش الجند و الخدمات التي يحتاجونها لا يتعارض مع مفهوم الجهاد، بل أن الأصل هو توفير النفقات و المعدات اللازمة للمجاهدين، فالفرق الجوهري بين المجاهد و المرتزق يكون في العقيدة و الدافع للقتال و نوع المهام التي يستخدم في تحقيقها، فالمحارب المجاهد يتخذ من الحرب وسيلة للتقرب إلى الله و تمكين الشريعة و دفع العدوان و حماية مكتسبات الأمة، أجره حلال، و إن قُتل فهو شهيد، بينما يحارب المرتزق لأجل الحصول على الرواتب و الغنائم و الامتيازات بصرف النظر عن صحة او بطلان ما يحارب من أجله فالمرتزق بائع لنفسه من أجل المال، ماله حرام، و إن قتل فهو محض جيفة لمغامر مأزور غير مأجور خسر الدنيا و الآخرة. و للمرتزقة صور و حالات متعددة تجمعها صفة احتراف القتل بلا مبدأ ولا شرع ولا ضمير، بدءً من البلطجي و قاطع الطريق و مطاريد الجبل من القتلة المأجورين، مروراً بعصابات المافيا، و الشركات الأمنية المسلحة، و ميليشيات و منظمات القتال التجارية السرية و العلنية، و انتهاءً بجيوش المرتزقة النظامية.

هل الجيش المصري جيش من المرتزقة.؟

بعد أن تعرفنا على معنى و صفة المرتزقة يمكننا الآن مقارنة واقع الحال للجيش المصري لنرى مدى انطباق أو اختلاف صفاته و مهمته قياساً على حال المرتزقة، فالجيش المصري: – لا يحارب من أجل نشر الإسلام ولا تطبيق الشريعة الإسلامية أو حمايتها، فعلى العكس من ذلك هو يحمى العلمانية بأسوأ صورها. – لا علاقة له بقضايا الأمة المصيرية ولا يحارب من أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن ولا يزود عن عقيدة الأمة، ولا يتدخل في شيء إلا بأوامر قادته. – لا يعرف الجندي و الضابط في الجيش المصري على وجه اليقين متى و أين و مَن يُحارب و لماذا يُحارب، فجنوده و ضباطه بمثابة أدوات قتل مخزَّنة تنتظر الأوامر، يطلقهم القائد على من شاء، و يقرر لهم ما هو الواجب و مَن هم الأعداء. – الطاعة في الجيش المصري طاعة عمياء مطلقة للمخلوق ” القائد ” فلا اعتبار فيه لأوامر و نواهي الشريعة الإسلامية في تنفيذ المهمات و نوعيتها. – الجنود المصريين يتم تأجيرهم لمهمات خارج حدود البلاد لصالح دول أخرى بصرف النظر عن انتماء هذه الدول و عدالة أو بطلان المعركة، حدث هذا في اليمن – العراق – سوريا – ليبيا، إلخ. – قطاع ضخم من الجنود و الضباط يتم استغلالهم في مهام و أنشطة تجارية ربحية غير حربية. – الجيش المصري يستخدم ضد إرادة الأمة و هناك وحدات من الجيش المصري تستخدم لقتل المعارضين سياسياً للنظام و اعتقالهم و التنكيل بهم و إذلالهم، ولائها المطلق للحاكم و ليس لله ولا لرسوله.

إنها حقائق واقع مُر لابد من مواجهته و الاعتراف به ولا يسعني بعد إقرار تلك الحقائق الجوهرية إلا أن أترك للقارئ النزيه الإجابة على السؤال المباشر الصريح : هل جنود و ضباط الجيش المصري مجاهدون أم مرتزقة.؟