زيارة المشير عبد الفتاح السيسي إلى سلطة عمان والتي بدت مفاجأة ليست مجرد زيارة تقليدية، أو بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، فحجم التبادل التجاري بين الدولتين هو 300 مليون دولار فقط، والإستثمارات العمانية في مصر سجلت 77 مليون دولار فقط، إذن للزيارة هدف أو أهداف أخرى، خاصة عند ربطها بزيارة السيسي التالية لها مباشرة إلى أبو ظبي ضمن تلك الجولة.
زيارة السيسي للسلطنة هي الأولى، لم يسبقها سوى زيارتين لوزير خارجيته سامح شكري، وزيارة لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي للقاهرة، وهذا يعكس درجة منخفضة من الحميمية مع تلك الدولة الخليجية على خلاف علاقة نظام السيسي بدول خليجية أخرى مثل: السعودية والإمارات والبحرين وحتى الكويت، ولم تشارك السلطنة بوفود رفيعة من قبل سواء في حفل تنصيب السيسي، او مؤتمره الاقتصادي أو افتتاحه لتفريعة قناة السويس مكتفية بتمثيل رمزي للسلطنة، إذن ليس لدى السلطنة ما يغري السيسي بزيارتها سوى دورها أو دوره السياسي للمساهمة في حل أزمة هنا أو هناك.
حافظت سلطنة عمان منذ وقت مبكر على مساحة خاصة من الاستقلالية في قراراتها حتى عن منظومة مجلس التعاون الخليجي الذي هيمنت عليه السعودية إلى حد كبير ودخلت الإمارات معها على الخط، ونجحت السلطنة في تقديم نفسها كوسيط مقبول لحل الخلافات سواء بين دول الخليج، أو حتى في أزمات إقليمية أخرى، ومع ذلك لم تخل السلطنة من الوقوع في أزمات ذاتية مع دول مجاورة لعل أبرزها وأحدثها مع دولة الإمارات وتحديدا إمارة أبوظبي الطامعة في أراضي السلطنة ومن ذلك محافظة مسندم العمانية، ومحافظة المهرة الحدودية، وقد سبق للمخابرات العمانية أن أفشلت مخططا للمخابرات العسكرية الإماراتية اعتمد على شبكة تجسس واسعة استهدفت قلب نظام الحكم في السلطنة، وقد تدخلت الكويت لتسوية تلك الأزمة، وقد يكون أحد أهداف زيارة السيسي الأخيرة هو تسوية الأزمة الحالية بين مسقط وأبوظبي التي وصل إليها في محطته الثانية والتي قد يلحقها محطات أخرى، تمهيدا لصفقات أو تسويات أخرى تشارك فيها الدولتان جنبا إلى جنب مع مصر ودول خليجية وعربية أخرى. إلى مربع دول الحصار
يستهدف السيسي من تدخله لحل الأزمة الإماراتية العمانية إلى تنقية الأجواء بين البلدين بهدف جر السلطنة إلى مربع دول الحصار، لفرض مزيد من الحصار على دولة قطر ودفعها لقبول تنازلات سياسية لإنهاء الحصار بشكل سياسي بعد ضغوط أمريكية على مصر ودول الحصار الأخرى لفعل ذلك، وقد تصاعدت تلك الضغوط عقب جلسات الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي التي عقدت في واشنطن مؤخرا بحضور وزيري الدفاع والخارجية القطريين خالد العطية ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وكذا وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، واللذين أكدا خلال جلسات الحوار على حماية أمن وسيادة قطر، وهي رسالة واضحة لدول الحصار أنه غير مسموح لها بالتهور تجاه قطر، بعد فشل مغامراتها السابقة بترتيب انقلاب على الحكم وغزو قطر عسكريا.
الضغوط الأمريكية على دول الحصار ومن بينها (مصر السيسي) دفعتها للبحث عن مخرج كريم لها، ويمكن لسلطنة عمان أن تقوم بدور الوساطة بحكم علاقاتها المتوازنة مع الجميع، وذلك بعد تعثر الوساطة الكويتية التي قادها أمير الكويت بنفسه لكن عناد قادة الحصار حال دون نجاح وساطته، وحتى تقوم السلطنة بدور الوساطة كان من الضروري تسوية خلافاتها مع الإمارات أو تجميدها على الأقل نظرا لأهمية تسوية الأوضاع الأقليمية تمهيدا لتنفيذ صفقة القرن التي سيكون على دول المنطقة التعاطي معها وفق مهام محددة لها تتعلق أساسا بالدعم المالي الخليجي للدولة الفلسطينية الوليدة التي ستنشأ على جزء من الأراضي الفلسطينية التاريخية وجزء من الأراضي المصرية في سيناء، دون أي مساس بالمستوطنات الصهيونية المنتشرة كالسرطان في الأراضي الفلسطنية خاصة في الضفة الغربية وحول القدس وبجوار غزة أيضا. العزف منفرداً
السيسي الذي يعزف منفردا في مسرحية انتخابية هزلية، والذي يزور الإمارات للمرة السابعة يدرك أن سنده الحقيقي على المستوى السياسي هو الكيان الصهيوني وعلى المستوى المالي كل من: الإمارات والسعودية، ولذلك فهو يبالغ في إظهار ولائه لتلك الدول، بهدف الحصول على مزيد من الدعم السياسي والمالي في السنوات الأربع المقبلة، وهو يدرك أن ثمن ذلك هو تمرير صفقة القرن التي تتضافر جهود الدول الثلاث لإتمامها، وهي تدرك أن وجود السيسي في قصر الاتحادية هو العنصر الأهم لتنفيذها، إذ لا يقبل أي وطني في مصر مدنيا كان أم عسكريا التنازل عن ذرة من رمل الوطن، لكن السيسي فعلها من قبل بالتنازل عن تيران وصنافير، ولا يمانع في التنازل عن سيناء كلها أو بعضها، وقد بدأ التمهيد لذلك بتهجير أهل رفح والعريش، وتدمير بيوتهم وتوسيع الشريط الحدودي وتوسيع حرم مطار العريش لمسافة خمسة كيلومترات من كل اتجاه بدعوى تأمينه، والحقيقة أن كل ذلك التفريغ للشريط الحدودي ولمحيط المطار هو محض استعداد لتسليم تلك المناطق تنفيذا لصفقة القرن.
تحركات السيسي المتسارعة قبيل هزلية الانتخابات بتقديم عربون لكفلائه السياسيين والماليين ليقبلوا تعويمه لمدة 4 سنوات جديدة ينبغي أن يمثل حافزا قويا لكل الوطنيين في مصر (مدنيون وعسكريون) للتحرك لوقف هذه الخيانة والتفريط الذي يجري أمام أعينهم والذي يتحملون وزرا بصمتهم عنه وعدم مقاومتهم له.