بقلم| جمال فريد الغانم
هذا صراع دولي بدأ منذ ١٩٤٥، حين قررت أمريكا ملء الفراغ، كما أطلق عليه ، حيث قررت انها يجب أن ترث بريطانيا وفرنسا في العالم القديم ، وصارت تخرجهما من مستعمراتهما تحت راية التحرر والإستقلال تباعا ، وقد هيجت الراي العام في كل المستعمرات ضد الإستعمار بشكله القديم وأتت باستعمار من صنعها ، وكان أهم ما يميزه أستخدام الإنقلابات العسكرية وإلغاء الأنظمة الملكية واستبدالها بالأنظمة الجمهورية . هاجمت أمريكا فكرة العائلات الحاكمة والأنظمة العائلية الوراثية وأيدت قيام الجمهوريات وحاولت بث فكرة تبادل السلطة كي تتخلص من الأنظمة الملكية كلما وجدت إلى ذلك سبيل ، وقد قبلت احيانا بوجود الملكية الدستورية كخطوة نحو إلغاء صلاحيات الملوك بعد ذلك .
وبالعودة الى مرفأ بيروت تجد الصراع بين المارونية اللبنانية ذات الزعامة المتوارثة في عائلات كالملكيات، ومعها من ايدها من أهل السنة في طرابلس وبيروت وصيدا ، وبين القوة الشيعية الناشئة حديثا يقودها حزب الله ، وتلتصق به حركة أمل في صراع على النفوذ والحكم في لبنان.
الموارنة وأغلب أهل السنة يتبعون النفوذ الإنكيزي في لبنان ويصارعون منذ ١٩٤٥ للبقاء.
مع تزايد نفوذ الشيعة في لبنان وصراعهم الظاهري مع اسرائيل ،عميلة الانجليز ، حيث أن هذا الصراع حقيقي ويدعمه ملالي إيران، لأن إيران تسعى أن تكون قوة إقليمية في المنطقة ، مستعدة دوما لخدمة أمريكا، لأن حكام إيران من الملالي يرون أن مستقبلهم مرتبط استراتيجياً بأمريكا، بما في ذلك امتداد النفوذ الايراني في سوريا ولبنان والخليج والعراق واليمن ( محاولات ) .
هذا التوسع المتلبس بالثوب الشيعي ،بعد نجاح ثورة الخميني ، هو نفوذ امريكي بلباس شيعي للسيطرة على الشرق الاوسط وتصفية نفوذ بريطانيا وفرنسا القديم .
واليد الطولى في هذا الصراع في لبنان هي سوريا منذ أيام حافظ الأسد ،عميل أمريكا ، فهي التي ضربت وحجمت الموارنة، وهي التي أضعفت المسلمين السنة ، وهي التي قتلت مفتي لبنان السابق حسن خالد وسجنت قليلات وأنهت وجود جيش لبنان العربي ونزعت السلاح من يد السنة، وهي التي قصمت ظهر منظمة التحرير الفلسطينية، صنيعة عملاء الإنجليز، في تل الزعتر، وأخرجت المنظمة وياسر عرفات واتباعه من لبنان مرغمين .
ثم أرغمت سورية على مغادرة لبنان بعدما ضحى الإنجليز برفيق الحريري لتهييج الشارع اللبناني ، بل والراي العام ،ضد الوجود السوري في لبنان .
والآن من الذي دبر إحراق مرفأ بيروت؟
تشير أصابع الإتهام إلى الانجليز ، والهدف هو كسر قانون قيصر الذي منع وصول أي أموال خليجية وأوروبية إلى لبنان ، وقد ادى كذلك الى اسقاط الوزارة، وان لم تكن هي الهدف الاساسي، وسيحاول الإنجليز عودة أحد عملائهم على رأس الوزارة اللبنانية ( أحد الثلاثة الذين استضافهم سلمان بن عبدالعزيز في قصره : السنيورة ، ميقاتي، سلام ، وهذا إن لم يكن بالإمكان عودة سعد أو استخدام بهاء الحريري ) من أجل تشكيل وزارة يكون النفوذ مشتركا بين بريطانيا وأمريكا .
قانون قيصر لم يؤثر على حزب الله ، لا بل إن حزب الله قد ساهم بإفراغ لبنان من الدولارات، وقام بإرسالها إلى سورية لمساعدة الأسد هناك .
قد جاء مكرون الى بيروت ، كما جاء قبله جاك شيراك عند مقتل رفيق الحريري للتحريض ضد نفوذ أمريكا الذي كان متمثلا في سورية يوم قتل رفيق الحريري ، واليوم يتمثل نفوذ أمريكا في حزب الله وحلف الأقليات ( تم عقد مؤتمر لتحالف الأقليات في بيروت قبل حوالي السنة وكان برعاية أمريكا ، وقد حرضت بعض القيادات المارونية ضد هذا المؤتمر ).
العملية كلها صراع بين أتباع امريكا وأتباع الفرانكفونية الفرنسية كواجهة ، ولكن لبنان يعج بعملاء الإنجليز – سنة وموارنة ودروز – .
وحتى ان لم يكن هم من حرق المرفأ ، فإن كل طرف الآن ،يحاول الاستفادة من الحريق ومن هيجان الرأي العام فالإنجليز والفرنسيون يبحثون عن طريقة لكسر قانون قيصر، أو التحايل عليه، بعدما وصلت الليرة اللبنانية الى ما تحت الحضيض ، وبالتالي يرون انه لا بد لهم من أن يوصلوا الدعم لعملائهم كي لا يضيع نفوذهم في لبنان .
ضغطت أمريكا ،على ما يبدو ، فكانت قيمة كل التبرعات هزيلة، لا تسمن ولا تغني من جوع، لأن مبلغ نصف مليار دولار، كتبرعات، لا يساوي شيء في بلد وصلت مديونيته الى ١٠٠ مليار دولار .
فمتى يفيق المسلمون ويمسكوا بزمام أمرهم وتكون لهم العزة كما كانت لأجدادهم الذين تمسكوا بالحق فجاءهم نصر الله ،تترى ،وأصبحوا حكام العالم فهل نتبع سبيل المؤمنين فننتصر ونقود وماذلك على الله بعزيز …
اللهم الهم هذه الامة امر رشد .
** كل مقالات الرأي تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بأي حال عن رأي الجورنال