ما إن ترجلت من سيارتى على جانب الطريق فى شارع فيصل المكتظ لأصلح شيئًا خارجها؛ حتى قدم شاب وفتاة ووقفا بجانبى، وكان بينهما عتاب، ثم تطور الأمر إلى عناق وقبلات -هكذا أمام الناس؛ فما كان منى إلا أن نهرتهما، وعيرتهما بقلة حيائهما؛ فانصرفا مستاءين وفى فم الشاب تهديد ووعيد لى، يقول: «أعمل اللى أنا عايزه محدش له عندى حاجة».
وإن هى إلا ساعات حتى صدمنى (فيديو) لشاب وفتاة صغيرين يمارسان العمل نفسه أمام إحدى مدارس القاهرة، وفى الصورة عشرات البنات يصفقن للمشهد، ثم تلاه (فيديو) آخر، ثم (فيديو) ثالث.. وهكذا.
قلت: هذه ظواهر مشينة، ما رأيناها على تلك الصورة من المجاهرة إلا فى هذه الأيام السود التى حكمنا فيها العسكر.. قد يقول قائل: «هذه الرذائل موجودة من زمان»، أقول نعم كانت موجودة، لكن أصحابها كان يفعلونها خفية وتحت ستار، لكن لم نر من قبل مثل هذه الجرأة.. والأعجب أننا لم نعلم حتى الساعة أن تلك المشاهد حركت أولياء الأمور، كما لم نعلم أنها حركت مسئولى المدارس أو المؤسسات التى وقعت فيها؛ كأن الجميع راضون مرحبون بهذا الأمر، وهنا مكمن الخطورة؛ لأنه إذا قبل المجتمع بالهين الآن فإنه سيقبل بالكبير العظيم خلال سنوات؛ فهكذا صارت أوروبا، وهكذا كان قوم لوط حتى صار السوى فيهم مستهجنًا طريدًا؛ حيث صارت الطهارة تهمة داخل هذا المجتمع الذى كان ملوثًا بالرذيلة والشذوذ.
يا سادة! الناس على دين ملوكهم، أينما ولوا كانوا على شاكلتهم، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أى يصلح على يديه ويغير فى الناس أكثر مما يصلح ويغير القرآن؛ لأنه قدوة، ولأن بيديه أدوات المكافأة وعصى التأديب، فالناس على نهجه؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر؛ فكما كان فرعون كافرًا جبانًا كان قومه على هذا الضلال المبين، يقول الله {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79]، كذلك العصاة الفسقة من الضعفاء المحكومين، يكونون تبعًا لكبرائهم المجرمين؛ من أجل ذلك يلقون باللوم عليهم ساعة الحساب يقولون: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67].
وفى المقابل فإن أهل الحق من الحكام ينضح سلوكهم على شعوبهم عدلاً وإحسانًا، فماذا كان مصير أصحاب الكهف بعد موتهم وقد كان الحكام وقتها صالحين، وكان أبناء المجتمع هداة مهتدين؟ لقد كوفئ الشباب الأموات من قبل هؤلاء الحكام على الصورة التى حكاها القرآن: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ -أى ولاتهم- لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا} [الكهف: 21].
جاء فى السيرة أن سعد بن أبى وقاص لما أرسل إلى عمر غنائم الفرس وكانت كثيرة عظيمة، أشاد عمر بقومه قال: إن قومًا أدوا هذا لأمناء، قال على بن أبى طالب: عففت فعفت الرعية، ولو رتعت لرتعوا..
إننى إذًا لا أستغرب مما شاهدته على قارعة الطريق، ولا أستغرب مما شاهدته فى (الفيديوهات) المتداولة؛ لأن الله حسم هذا الأمر، ووضع قاعدة شهيرة فى كتابه العظيم، يقول -تعالى- مخاطبًا النبى صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، يطالبه بأداء الرسالة على وجهها الصحيح، مؤكدًا له –ولنا- أن (لكل قوم هاد) يهديهم: إما إلى الخير والإحسان وإما إلى الشر والضلال..
يُحكى عن أبى بكر -رضوان الله عليه- أنه حاورته امرأة قالت: ما بقاؤنا على هذه الأمر الذى جاء الله به بعد الجاهلية. قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، أى الولاة والحكام.
إن ما يفعله بنا العسكر لن ينتج إلا الرذيلة، ولن يذر إلا الفجور ولم لا وهم كما قال رأسهم: (كل اللى ما يرضيش ربنا هنعمله)، وقد سخر من شىء اسمه توفيق الله وقال لمذيعة حاورته (حلوة أوى وفقك الله لما تحبه وترضاه دى)، ورأينا غاراتهم على بيوت الله، والاستيلاء عليها، وتطويعها لأفكارهم الباطلة، وما جرى بعدها من حبس العلماء، وتشويه الدعاة، وما يبثونه فى إعلامهم من كذب رخيص وحرب شاملة على الأخلاق.
نقول والله شهيد: لقد علا هذه الأيام أهل الفسق والفجور، وتصدروا المشاهد، وتولوا المناصب، وظهروا على وسائل الإعلام كقادة رأى وأهل علم وفكر.. ولقد سعى كثير من الناس فى المنكر؛ إما نفاقًا لإرضاء هؤلاء الظلمة ونيل ما عندهم، أو تقية وخوفًا من بطشهم، ونرى كل يوم مجاهرة بالمعاصى، وأمن من العقاب، فساء الأدب، وفسدت الأخلاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذه الأمراض الفاتكة تستلزم دعاة على قدرها، متسلحين بالعلم والحلم والمنطق، ولديهم العزيمة والاستعداد للتضحية فى سبيل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. نسأل الله السلامة.