بقلم| محمد عبد العزيز
إن أضخم مؤسسة ربحية على أرض مصر على الإطلاق هي المؤسسة العسكرية المصرية.. هذه الشركة العملاقة و المؤسسة الربحية الأخطبوط، بلغت من الثراء و السيطرة و التغول في الاقتصاد المصري حداً يستحيل حصره على وجه الدقة حتى و لو كان المسئول عن الحصر مخابرات العسكر نفسها.!!!
سبق و قد بيننا في الحلقة السابقة بعنوان ” الحصار الأسود و حدود الملكية ” حقيقة مفزعة مفادها أن المؤسسة العسكرية وضعت يدها على كل أرض مصر برها و بحرها و حتى جوها بنسبة تقترب من 94% إلى 97% و حصرت نحو 100 مليون مصري في شريط ضيق في الدلتا و حول النيل و شريط ساحلي و بعض الواحات الصغيرة بما لا يتجاوز من 3% إلى 6% من مساحة أرض مصر، بل و الأدهى من ذلك أن المؤسسة العسكرية لم تترك حتى النسبة البسيطة التي خصصت للشعب المصري خالصة له بل شاركته فيها أيضاً..!!!
لدينا واقع كارثي، أن أراضي و خيرات و كنوز مصر بقدها و قديدها في يد المؤسسة العسكرية و تحت تصرفها بلا حسيب ولا رقيب، ولا يكاد يعلم الشعب عنها شيئاً.!!! و لك ان تتخيل عزيزي القارئ مدى تفحش ثراء هذه المؤسسة أو بتعبير أدق ثراء قادتها الكبار و المتنفذين فيها. إن النهب الاقتصادي في المؤسسة العسكرية المصرية كوادر و مستويات متفاوتة و متعددة، يبدأ بالصراصير و ينتهي بالحيتان و الديناصورات.!!!
فبينما ينهب الفاسدين من فئة الشاويش و ضابط المخلة من التعينات و الأمتعة، و ينهب الضباط و القادة الصغار في الكتائب من خدمات الجنود المجندين المحترفين، كم ذكرنا سابقاً فهذا كله نهب من داخل ميزانية الجيش و إن كان حجمه الإجمالي كبيراً إلا أنه يبدو تافهاً مقارنة بالنهب السيادي الذي يمارسه قادة المؤسسة فهناك مستويات عليا خطيرة للنهب سنتعرف عليها في هذه الحلقة الهامة و الحلقات التالية لها بإذن الله.
أ- المصانع و الشركات و الأنشطة التجارية: لقد بدأت عملية تحويل المصانع والمعدات المخصصة لإنتاج الأسلحة إلى التصنيع المدني بشكل ملحوظ في عهد مبارك و استفحلت في نهاية عهده و توحشت في عهد العميل الحالي، فالمصانع العسكرية التي كانت جزءاً من وزارة الإنتاج الحربي أو الهيئة العربية للتصنيع التي يديرها الجيش حولت معظم المصانع العسكرية التي كانت تستخدم في إنتاج الذخائر والصواريخ والطائرات الأساسية لإنتاج السلع مثل الغسالات والثلاجات والتلفزيونات وأدوات المطبخ والأسمدة والمبيدات والسيارات والشاحنات. كما تحولت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتصبح أكبر المقاولين لمشاريع الإنشاءات العامة مثل المطارات والملاعب والطرق والجسور والمدارس والمستشفيات والإسكان الاجتماعي.!!!
و يرجع الفضل في تضخم الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري إلي اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 ، و التي منذ إبرامها بدأ الجيش في الاستثمار في كل شيء في البلاد بدءاً من الزراعة التجارية مروراً بمصانع اللبن و الدجاج و مزارع تربية العجول و الأبقار و حتى مزارع الحمير ” كمزرعة الحمير الموجودة بطريق مصر اسماعيلية “، و مزارع الخضروات و الفاكهة و مصانع المعلبات و المزارع السمكية و الاستثمار العقاري و الحديد والصلب و الأسمنت، والسيارات و التمويل و الخدمات اللوجستية، و تجهيز الأغذية، و إدارة الفنادق و الأجهزة المنزلية و تجارة البترول و الصناعات الإلكترونية و تكنولوجيا المعلومات و الإعلام و قطاعات الأمن الخاصة، ……… إلخ. و على الرغم من أن اتفاقية السلام خفّضت الجيش المصري إلى ما بين 300,000 و 450,0000 عنصر، إلا أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لا يزال يستخدم الأفراد العسكريين للعمل في مشاريع الجهاز المدرة للربح. يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط “روبرت شبرنجبورج ” أن الجيش المصري صار أشبه بالإمبراطورية التي تشغل مئات الآلاف من المدنيين وتجني مليارات الدولارات و أن الجيش أصبح كالشركة التي لا تخوض حروبا في الخارج و لكن تعمل على سد استهلاك المدنيين كما أن وزير الدفاع أصبح يعمل كمدير لتلك الشركة وبدلاً من التفكير في المسائل العسكرية أصبح وزير الدفاع مشغولاً طول الوقت بإدارة أعماله التجارية.!!!
و حتي المستثمرون الراغبون في الاستثمار في القطاع الخاص سواء في الاستثمارات العقارية أو المنتجعات السياحية علي طول البحر الأحمر ” على سبيل المثال و ليس الحصر “، عليهم تأجير مساحات الأراضي المطلوبة من وزير الدفاع…. إنتهى. لقد تجاوزت المؤسسة العسكرية دورها المفترض لحماية الدولة و الحدود و الدفاع عن مصالح المصريين، و تحولت لشركة تجارية عملاقة و منافس تجاري جشع غير شريف يقتل الاستثمارات الوطنية و يعيق التنمية المستدامة.. فمن خلال استخدام المجنّدين كأيدي عاملة رخيصة شبه مجانية و إعفاء كامل من الضرائب و الجمارك و متطلّبات الترخيص التجاري، ناهيك عن وضع المؤسسة العسكرية يدها على جميع أراضي و موارد و أصول الدولة المصرية بلا حسيب ولا رقيب، و تحكمها في القرار السياسي، كل هذه العوامل حولت المؤسسة العسكرية المصرية إلى شركة تجارية عملاقة خارج المنافسة يمكنها قتل و تدمير أي مستثمر و أي استثمار وطني، قطاع عام أو خاص بيسر و سهولة.
……….. ولازال هناك الكثير نكشف عنه في الحلقات القادمة بمشيئة الله. ………….. محمد عبد العزيز ….