قبل الثورة بأيام تداولت الصحف في مصر تصريحاً لوزير خارجية المخلوع مبارك قال فيه إن مصر ليست تونس.
تحول هذا التصريح بالطبع إلى نكتة على ألسنة الناس في الأيام الأولى للثورة ثم سرعان ما نسيه مع ايقاع الأحداث. التغيرات العاصفة التي بدأت مفاجئة في تونس ثم انتقلت إلى مصر واثقة واندلعت بعدها في سوريا وليبيا لم تعد بعد إلى قمقمها. الحقيقة أن مصر ذاتها ليست كمصر قبلها، بل ولم تعد بلد كسابق عهدها. التغيرات طالت كل شيء.
هذه الجهود الواضحة التي يبذلها البعض لإعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل عاصفة التغيير التي هبت على منطقة الشرق الأوسط ستفشل، حتى سوريا التي يظن البعض أن الجراح اثخنتها وأنها الآن جسد منهك يجنح للأستانة واتفاقاتها، قد تفاجئ الجميع.
ذلك المؤتمر الذي عُقد في شرم الشيخ وانفقت عليه المليارات, لتبييض صورة العسكري الانقلابي لم ينجح إلا في ملء عدة فراغات إخبارية في المواقع الإخبارية والبرامج الحوارية الانقلابية لكنه لم يغير شيئاً. تلك الهرولة الصباحية البائسة التي اخرجوها على طريقة أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة (ضحك ولعب وجد وحب) وبثوها من شرم الشيخ وسموها (ماراثون) لم تنجح في اجتذاب شريحة الشباب واقناعه ان عسكري الانقلاب شخص شبابي وأن ما يحدث في مصر سياسي وان هذه السياسة تتطلب انتخابات ولم تنجح في اقناعهم بفكرة المشاركة في تلك المسرحية.
مجرد بذل كل ذلك المجهود في محاولة اقناع الناس بالمشاركة في الانتخابات هو وحده دليل على عدم اكتراث الناس بأي شيء.
الواقع في المنطقة كلها تشقق. بالأمس كانوا يبثون ما يريدون قوله, عبر اعلامهم وكان الجميع يصدقهم. الآن وبعد الثورات لم يعد أحد يصدق أي شيء. هذه الدماء التي سالت غيرت الواقع والجماهير لم تفقد ذاكرتها بعد.
محاولات إفقاد الناس ذاكرتها والتظاهر بأن شيئاً لم يكن والتصالح في سوريا بشروط ما يوقع عليها البعض في الأستانة أو عقد مؤتمر ما في شرم الشيخ ودعوة أطراف ما للمشاركة في انتخابات العسكر 2018 لن تنجح!.
الجميع الآن يلعبون بأوراق مكشوفة، الشعوب والأنظمة يفهمون بعضهم البعض. صحيح ان الشعوب مصابة نوعاً بالإنهاك وصحيح ان البعض يحاول أن يعيش حياته وكأن شيئاً لم يكن لكن هذا مؤقت في نظري. البعض يريد التظاهر بان كل شيء على ما يُرام وبأن الحياة تسير بوتيرتها العادية ولكن هذه الحالة من التظاهر ستتوقف في لحظة ما. هذه القدرة على التكلف ستنهار في وقت ما ليتصارح الجميع أن الحياة لم تعد كما كانت.
من الصعب أن تقنع ذلك العجوز الذي يمر على المنزل المهدم في إدلب أن الحياة عادت لطبيعتها بعد أن رأى طائرات روسيا تهدم البيت وبعد أن شيع جثمان ابن أخيه الذي قتلته ميليشيات ايران. لن يمكنك أن تمحو كل هذا بضغطة زر في الأستانة. لا يمكن إقناع تلك السيدة التي دفنت جثمان ابنها الشاب ووقفت تبكي أمام قبره بأن عسكري الانقلاب قريب من الشباب لمجرد أن خبير دعاية ما ظن أن بإمكانه محو كل هذا ببعض مشاهد يبثونها من شرم الشيخ للعسكري الانقلابي وهو يتظاهر بالسعادة ومخاطبة الشباب !!.
فإن افترضنا أن هناك زراً سحرياً ما سيضغطه أحدهم في وقت ما لينسى الملايين كل هذه التفاصيل، فسحب التغيير التي تزحف على سماء منطقة الشرق الاوسط لن تترك لأحد فرصة لالتقاط أنفاسه.