إنَّ شغفَ ملايين الأمة بمسلسل ” قيامة أرطغرل ” ومتابعته بدرجة لم يسبق لها مثيل حيث بلغ عدد مشاهديه في إحدى حلقات عرضه 65 مليون مشاهد من المنطقة العربية  ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ متابعة أحد أعمال الدراما مما قد يعكس حجم نجاحه أو يعطي مؤشرا واضحا لتلقيه بالقبول في العالم العربي وهذا يُوجبُ الحديث عنه لتصحيح ما به من أخطاء وإلقاء الضوء على أهم ما جاء به من إيجابيات .
وهو يحكي قصة “أرطغرُل” المولود تقريبا في سنة خمسة سنة 586 من الهجرة  والمتوفى في سنة 680 من الهجرة، وهو والد عثمان بن أرطغرُل مؤسس الدولة العثمانية وهم من قبيلة “الكايي” إحدى قبائل الأوغوز التركمانية.

والأوغُوز هي التي تذكر في المصادر العربية بقبائل الغز من قبائل التركمان، وهم بادية الترك. وقربه من دولة السلاجقة وهم ينتسبون إلى سلجوق أحد قادة قبائل الأوغوز التركية ، وقد كان لهم دولة في مطلع  القرن الخامس الهجري.

ولأن المسلسل قُدِّمَ كعرض تاريخي يسرد وقائع تاريخية أدت في النهاية لقيام الخلافة العثمانية وأخذ من الدعم الرسمي التركي ما يستحقه وخرج بهذه القوة التي عكست حجم ما أُنفق عليه في إنتاجه وهو بحق إنتاج دولة لذا فمِن حق مَن تلقَّى هذا العمل عند عرضه أن يكون له رأيه وهنا أقف جنبا إلى جنب مع عزيزي المشاهد والمتابع بشغف لأحداثه لأسجل ملاحظات كنت أتمنى تلافيها ليكون العمل أروع مما هو عليه ليس لتجميله وفقط ولكن أيضا لرسم صورة تاريخية صحيحة عن شخوص تلك الفترة الغير مطروقة بالتأريخ والتسجيل حيث لا يتعدى ذكرهم سوى سطور في صفحات التاريخ .

لذا فإني أعرض هذه الملاحظات والتي أرجو أن يتم تلقيها بالقبول ليتم تلافيها في أعمال لاحقة في صورة نقاط محددة :

1- لأن ما كُتِبَ عن أرطغرل في صفحات التاريخ قليل جدا فإنَّ ما قُدِّمَ عن أرطغرل الحقيقي هو 5 % من حجم أحداث المسلسل وكل ما ورد فيها هو محض حكايات وزيادات للحبكة الدرامية كانت ستكون مقبولة لو أنه عمل درامي اجتماعي أما وأنه ” تاريخي ” فقد تاهت معالم الأحداث التاريخية بين أحداث الحبكة الدرامية وخاصة أن بعضها مغالطات تاريخية فجة وللأسف لم يؤرخ المسلسل لأي حدث فلم يذكر أي تاريخ لأية واقعة مما ادَّعتها الدراما لأبطال العمل فبقيت الدراما التي تسرد وقائع لم تثبت في المصادر العربية وليس لها أي أصل في الوثائق التركية أيضا ليتم سحق التاريخ على أعتاب أرطغرل !!!

2- أحداث المسلسل في الفترة ما بين 617 – 635هـ  وبداية الأحداث تحكي هجرة القبائل التركستانية والذي كان بسبب فظائع التتار وهجومهم على العالم الإسلامي ومنها قبيلة الكايي والتي ينحدر منها مؤسس الخلافة العثمانية ولكنه تجاهل تماما هذه الفظائع وجهاد الدول الإسلامية ضد المغول رغم أن المسلسل لا يترك سكنات وحركات الرموش قبل عيون ممثليه وأغفل غرق أبيه سليمان شاه في نهر الفرات 628 هـ في رحلة الهجرة وحكى المسلسل حكايات عنه لم يعشها الرجل و لا علاقة لها بالتاريخ !

3- الإطالة المملة جدا في نقل انطباعات وجه كل ممثل على بعض المواقف وكأن الكاميرا يجب أن تطوف بكل الحاضرين ليقول كل منهم بالدور آمين .. آمين .. آمين .. ردا على دعاء أحدهم وهذا على سبيل المثال وليس الحصر .

4- تجاهل المسلسل تماما جهاد الدولة الخوارزمية ضد التتار وذلك للعداوة بين السلاجقة الأتراك والخوارزميين في هذا الوقت وإبراز معارك لأرطغرل مع المغول لم تحدث كما سنبيِّنُ لاحقا .

5- المسلسسل بدأت أحداثه عام 1225 م في ظل حكم الخلافة العباسية وعلى الرغم من هذا تم تجاهل ذكر الخلافة العباسية تماما بصورة عامة و الخليفة العباسي الناصر الذي حكم 46 سنة خاصة !!! وهو رأس الدولة مع العلم أن السلاجقة كانوا يدعمون حكمه بل هم من حفظوا الخلافة العباسية وأجلوا سقوطها .

6- تجاهل الدولة الأيوبية تماما وإغفال جهودها في حرب الصليبيين وإبراز أحداث لمعارك بين أرطغرل والصليبيين عامة و مع فرسان المعبد خاصة الذين أجهز عليهم في مناوشة لا تكاد تُذكر وكأنَّ أرطغرل هو محارب المغول وهو نفسه محارب الصليبيين !!!

7- اختلق المسلسل حربا بين أرطغرل وفرسان المعبد وادَّعت دراما المسلسل أن أرطغرل قضى عليهم في مناوشة حربية هزيلة ليكون أرطغرل هو قاهر الصليبيين !!! بخلاف ما حدث تاريخيا فقد قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين عام 1187م ! وهرب مَنْ نجا منهم إلى عكا .. وتم القضاء على بقيتهم المشاركين في الحملة الصليبية الخامسة على دمياط عام 1218 م ثم في معركة المنصورة 1250 م حيث قٌتِلوا جميعا ولم يبق من المشاركين منهم في المعركة سوى ثلاثة !

8- أظهر المسلسل إمارة حلب بطابع تركي خالص مع أنها عربية 100% وأظهرها بأنها إمارة ضعيفة بلا جيش وبلا قادة وكأن الصليبيين هم من يحكمونها مع أن الأرمن عجزوا عنها والسلطان السلجوقي لم يقدر على ضمها لدولته وكذا لم يأت ذكر للأمة العربية بشكل كامل رغم أن المسلسل يحكي زمان الخلافة العباسية في عهد الخليفة العباسي الناصر الذي حكم 46 عاما ولم يأت ذكره أبدا !!!
وقد كانت حلب حينها تابعة للأيوبيين في زمن أبناء صلاح الدين الأيوبي ومقر حكمهم في مصر كما ادّعى صناع المسلسل أن الوزير شهاب الدين  خال العزيز أمير حلب وهذا ليس صحيحا بل كان وزيرا صالحا لكنه ليس من الأسرة الأيوبية .

9- ادّعت دراما قيامة أرطغرل أن الأتراك بارعون في استعمال السيف في المواجهات الحربية وهذا بخلاف التاريخ الذي يؤكد بأنهم أهل رمي وليسوا بارعين في السيف كما أبرزت الأحداث المتكررة في المسلسل
كذلك أظهرتهم الدراما بأنهم وحوش كاسرة ويتحملون ما لا يتحمله غيرهم فضربات السيف المتكررة أو سهام العدو في جسد أحدهم لا تثنيه عن مواصلة الحرب مع أن غيره يصيبه فقط كفًّا بيد عارية من أحد الاتراك فلا يقوم إلى يوم الدين !!!

10- استدعاء شخصية ( أفشين ) ليكون نصيرا لأرطغرل وألبست الدراما هذه الشخصية قدرات خارقة كأنه رجل المستحيل أو روبين هود وراجع قصة دخوله القلعة التي أُسِر بها ( تورغوت ) كلها خيالات غير منطقية في طريقة الدخول والخروج ! ولا علاقة لها بالتاريخ وما الداعي من إقحام اسم أفشين في أحداث لم يعاصرها وهو بالفعل قائد عباسي مظفر لكنه لم يقابل أرطغرل حقيقة أبدا ؟!!!

11- ثم نأتي للطامة الكبرى محيي الدين ابن عربي وهو في نظري آفة المسلسل ومصيبتها الكبرى وهو الملقب بالكبريت الأحمر أثبت له المسلسل تفريج الكروب وإزالة الهموم بل و القدرة على شفاء المرضى حيث قال أبطال المسلسل عن مريضهم ” شفاه ابن عربي ” وأثبتوا له علم الغيب في كثير من الأحداث وعظمه المسلسل أيما تعظيم مع أنه من أئمة الضلالة ولا تخلو سيرته في المسلسل نفسه من طقوس لا تخلو من بدعة أو شرك حتى أن علماء عصره قد حكموا عليه بالكفر بما نطق به صراحة من كفر بُواح في كتابه “فصوص الحكم” حيث كان يؤمن بنظرية وحدة الوجود وأن الله تجلى في خلقه فهو يرى كل شيء هو الله وكان يقول : ” أنا من أهوى ومن أهوى أنا ” وغيرها من الأقوال الكُفرية …
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أكد المسلسل أنه الصديق الصدوق لأرطغرل وكل هذا بخلاف الحقيقة والتاريخ فلم يلتقي محيي الدين ابن عربي بأرطغرل أبدا حيث عاش في دمشق وأرطغرل بالقرب من الأناضول وليس صديقه ولا علاقة لهما بالبعض كما ظهر في المسلسل أن الفارق العمري بينهما كبير والحقيقة أن الفارق 10 سنوات على أقصى تقدير .. فلماذا أعطى المسلسل لابن عربي هذا التبجيل والتعظيم والدور المبجل والأثر القوي كأنه أحد عوامل قيام الدولة العثمانية ؟!!!

12- شخصية الخضر التي يزج بها  المسلسل في حوارات أبطاله والادعاء بأنه يصاحبهم في صولاتهم وجولاتهم خزعبلات وشطحات صوفية مبتدعة تخالف صريح الدين بل وتؤصل للابتداع فيه .

13- شخصية ” نويان ” القائد المغولي ذكر المسلسل أن أرطغرل قتله تقريبا عام 630 هـ مع أنه لم يأت إلى المنطقة العربية إلا مع هولاكو في اجتياح بغداد عام 656 هـ  – 1258 م !!! وقد أثبت التاريخ أن القضاء على هذا الجيش عام 1260 م في معركة عين جالوت على يد القائد شمس الدين قطز وجيشه الخارج حينها من مصر ؛ والأهم أن هناك فرق بين هذه الأحداث التاريخية والأحداث الدرامية بأكثر من عشرين سنة فلم يثبت أنه قد قابل أرطغرل أو واجهه يوما من الأيام فما الدّاعي لهذا الحشو الدرامي في سياق تاريخي يزيف التاريخ ولا ينتصر له !!!

14- شخصية “سعد الدين كوبيك” صورتها الدراما الأرطغرلية أنه كان خائنا للسلطان علاء الدين  ومن أكبر أعداء أرطغرل وأنه كان دومًا يكيد له ويحيق له المؤامرة تلو الأخرى طوال أحداث الجزء الأل والثاني والثالث من المسلسل مع أن التاريخ لم يذكر عنه إلا أنه كان وزيرا مخلصًا لعلاء الدين السلجوقي بل إن ابنه غياث الدين قتله بعد ذلك لشدة ولائه لأبيه علاء الدين !!! وليس هناك تأصيلا أو تأريخا لأي علاقة بينه وبين أرطغرل لكي يسرد المسلسل كل هذه الروايات عنه بل ويختلق كل هذه المواقف بينهما !!!

15- المغالطات الشرعية والاجتماعية والعرفية الكثيرة في المسلسل كالأقوال الشركية والعياذ بالله وكذا الرقص والغناء وحكم الأم هايماه للقبيلة واختلاط الرجال بالنساء في مجالس الطعام والأفراح لم يكن من عادة أهل ذلك الزمان فلماذا هذه المسحة العلمانية في مسلسل يؤصل لتاريخ سابق وليس تأريخ لأحداث حالية ؟!!!

16- إغفال الحديث عن العرب كأمة مهد الإسلام وأمة الخلافة في بشكل كامل وإبراز كل الشخصيات العربية التي ساقتها الدراما في صورة مشينة وضيعة
كالعزيز أمير حلب الذي قدّمه المسلسل في صورة بالغة التفاهة والرعونة والشهوانية وأنَّ همه الغزل وكذا تصويره ضعيفا وألعوبة في يد أعدائه وللعلم فإن عمره في هذه الأثناء 16 سنة وكان تحت وصاية وزيره الصالح شهاب الدين وهو القائد الفعلي للإمارة لكن المسلسل أعطاه ضعف عمره ليكون 30 سنة من عنده ويصفه بما تقدم !!!
وكذلك الافتراء كذبا وزورا وبهتانا بأن القاضي العادل ” ابن شداد ” مرتشٍ من رئيس الشرطة “ناصر” وهو من هو ؛ أحد الوزراء الصالحين لصلاح الدين الأيوبي وقد تجاوز عمره الثمانين ولم يُعرف عنه البطلان قط بل اشتهر بالعدل وهذا أمر لا يمكن أن يكون عفويًّا عارضًا بل عصبية للعنصر التركي !
لذا فإن كل أحداث المسلسل في إمارة حلب من نسج خيال صناع المسلسل ولم يخالف الحقيقة وفقط بل ارتكب جريمة في حق شخوص هذه الفترة لا يمكن غض الطرف عنها وقد قدمها صناع المسلسل كبضاعة لعامة الأمة لذا وجب التنبيه دفاعًا عنهم وتصحيحًا لأخطاء المسلسل لعل صُنَّاعه ينتبهون فيما هو آت .

17- الادعاء بأن الأتراك هم من حفظوا الدولة الإسلامية من خطري المغول والصليبيين في تلك الفترة محض كذب وتجهيل للتاريخ الذي يثبت لكل من الدولة الخوارزمية والسلجوقية والأيوبية ثم المماليك والسلاطين التابعين للخلافة العباسية ومن تحت أيديهم من جيوش إسلامية أغلب جنودها من المسلمين العرب حقهم في إثبات جهادهم وتعليمه للأبناء وتأصيله في نفوس أجيال لم تعاصرهم .

18- العنصرية الفجة التي امتلأت بها أحداث المسلسل كانت من أبرز سمات المسلسل في حين أن البوتقة الحاكمة الغالبة على عوام الناس في ذلك الزمان هو الدين الإسلامي والتأكيد على أن الطفل التركي يؤلد ذئبا والأرض له وطن في حين كان المتحدثين في رحلة البحث عن وطن بديل بعد هجرتهم بسبب اجتياح المغول لموطنهم الأصلي ثم إنه لم تكن هناك حدود فاصلة بين كل جهات العالم الإسلامي حتى يكون المرجع في كلام أبطال المسلسل تركيتهم أو انتمائهم للأوغوز وتابع معي نسبة ذكر العنصر التركي في مقابل الإسلام !!!

ولازلت مُعجبًا بعناصر المسلسل – رغم ما سقته من ملاحظات عن دراما أرطغرل المنافية للتاريخ – من ملابس وديكور وحركة وأداء وأماكن تصوير وإضاءة ومعارك وإنتاج وإخراج وغيرها من مكونات أدت في النهاية إلى تلقي الناس لهذا العمل الضخم بالقبول  ولا شك أن لهذا أسبابه والتي أود تحديدها في بعض النقاط :

1- الأمة متعطشة إلى النصر والمسلسل يقدم أبطالا يزأرون : ” الحي هو الله ” و ” الحق هو الله ” و ” الله أكبر ” … وينتصرون ؛ فقدم المسلسل إشباعا لحاجة شعوب للحظات الظفر كأمة إسلامية .
2- الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق والتمسّك بالإسلام.
3- التأكيد على أن نصرة الإسلام يجب أن تكون تجارية واقتصادية بجوا القوة الحربية  وأنه لا يمكن للدول أن تقوم إلا إذا استغنت بنفسها عن غيرها .

4- ربط الأحداث في المسلسل – رغم مبالغاتها – بالسيرة النبوة وسير الأنبياء وهذا في حد ذاته مبعثا حميدا في نفوس المشاهدين .

5- كثرة مشاهد الأدعية وتكرار مشاهد الصلاة وذكر الله واحترام اسم الرسول صلى الله عليه وسلم كلها من الإجايبات التي تُحمد للمسلسل .

6- محاربة الخيانة والخونة الدائم – رغم المبالغة في أحداثها بل واختلاقها –  وبالرغم من أن الحبكة الدرامية كلها مبنية على نظرية المؤامرة والمغالاة في تعاطيها بعنف لا يخلو من دماء إلا أنها تلقي بظلالها على أحداث الأمة حاليا وتوجيه لها بتنقية الصف .

7- أكد المسلسل على أن الانتصارات لا علاقة لها بالقوة ولا بالعدة ولكن بحمل هم قضية الأمة وتقديم التضحيات في طريق نصرتها دوما والسعي الجاد في

7- ربط كل الانتصارات بالله جل وعلا والإيمان به والتوكل عليه والثقة به ورفض نسب الانتصار لشخص البطل كما ورد على ألسنة أبطال المسلسل بل التأكيد على أن النصر لله .

8- كل نتائج الصراعات في المسلسل تؤكد أن العاقبة للصالحين دائما سواء في الحرب مع الصليبيين أو المغول أو الخونة

9- لم يغفل المسلسل التمييز بين أعداء الداخل وأعداء الخارج وجعل الحرب عليهما على النفس الدرجة من الوجوب حتى يتم تنقية الصف لقيام دولة قوية .
 
10- نجاح المسلسل في تحقيق هذا الانتشار الواسع والمتابعة الكثيفة يفتح الطريق على مصراعيه لهذه النوعية من المسلسلات مع التأكيد على عدم مخالفة التاريخ أو تزييف حقائقه ولذا نتمنى أن تعرف هذه الأجيال كل عظماء الإسلام في كل الدول والممالك الإسلامية على مدار التاريخ منذ الهجرة وحتى عصر الخلافة لعل ما سيأتي لاحقا ونتمناه ونرجوه ونتوق إليه هو قيامة الأمة بأسرها وليس فقط قيامة أرطغرل .

كتبه : إسلام حافظ
 4 – 8 – 2017م