بقلم| محمد عبد العزيز
إذا لمحت جوهرة في مأوى قِرد الغابة فستعتبر نفسك أولى بها و في الغالب ستحاول الحصول عليها بشتى الطرق، بخداع القرد أو إغرائه، بإخافته أو إلهائه، ستسرق جوهرته دون شعور بالذنب، فإن هاجمك القرد و قتلته فلن تشعر بتأنيب الضمير، حجتك جاهزة، “الدفاع عن النفس”، فقد جرى العرف على إباحة قتل الحيوان لدرء خطره أو لمنفعة الإنسان، لكنك لا تستطيع أن تطبق نفس المبدأ على إنسان و تستبيحه قبل “حَـيْـوَنَتِه”.
“الحَـيْـوَنَة” فكرة قديمة اتخذها الغرب الاستعماري سلاحاً ماضياً و فتاكاً أقنعوا به شعوبهم و خدروا ضمائرهم و استباحوا بيضة الشعوب الأخرى و دماءها و ثرواتها، و هذا يفسر حفاوة السياسيين الغربيين بنظرية دارون الساقطة عن النشوء و الارتقاء و الإصرار العجيب على بعثها من الموت بأي وسيلة حتى لجئوا للتلفيق العلمي في الفضيحة المشهورة التي دمج فيها أحد الباحثين فك غوريلا بجمجمة بشرية لتزوير الحلقة المفقودة بين الإنسان و القرد في نظرية دارون.!!! و “الحَـيْـوَنَة” أخطر من “الشَـيَـطَـنَة” و التي يمكن انكشاف زيفها من خلال سلوك الشخص “المُـشَـيْطَنْ”، ففي “الحَـيْـوَنَة” لا مانع من ذبح “المُحَـيْـوَنْ” مهما كان وديعاً و مسالماً.
كذلك تختلف “الحَـيْـوَنَة” عن “الْخَـنْـزَرَة” التي كتبت عنها مقال سابق لأن “الْخَـنْـزَرَة” عملية تحول حقيقي تركز على البعد القيمي و الأخلاقي للفرد و يقصد منها تحويل سلوك الإنسان إلى ما يشبه سلوك الخنازير، أما “الحَـيْـوَنَة” فهي حالة دعائية كاذبة تستخدم لغرض الاحتيال السياسي و تبرير العدوان و تسكين ضمائر المعتدين.
– استخدمها الأمريكيون لإبادة ما بين عشرة إلى مائة مليون نسمة من الهنود الحُمْر، كانوا شعوباً لها لغتها و ثقافتها و حضارتها و طمسوا أثارهم و سرقوا موطنهم لينفردوا بأمريكا في أكبر جريمة إبادة في تاريخ البشرية.
– استخدمتها بريطانيا الاستعمارية في الهند و إفريقيا و غيرها من البلاد التي استباحتها و عاملت شعوبها معاملة الحيوانات وقتلت الملايين.
– جربتها إسرائيل في الفلسطينيين و نجحت في رسم صورة لهم تمثل حيوانات متوحشة تريد الفتك بالمحتل اليهودي الوديع، فلا يهتز للغربيين جفن عندما يُمَزَّق و يُبَاد آلاف ألفلسطينيين بينما يلطمون الخدود و يشقون الجيوب إذا جُرِحَ جندي إسرائيلي.
– استخدمتها الأنظمة الاستبدادية العميلة مع خصومها السياسيين و منها “خَرْفَـنَة” الإخوان في وسائل الإعلام المصرية قبل ارتكاب المذابح بحقهم.
– تُسْتَخدَم ضد أي كيان إسلامي ناشيء على أي أرض و في أي مكان تمهيداً لاستباحتها و تبرير مؤامرة العدوان التي تعد ضدها و إقناع من له بقية من دين أو ضمير من جنود الشعوب المسلمة التي يراد استخدامهم ككلاب قتال مدربة منخفضة التكلفة في مواجهة أي دولة او كيان إسلامي وليد. العربي المسلم الحيوان.
صورة يجتهد السياسيون الغربيون في رسمها و الحفاظ عليها، تبرر لهم المؤامرات و تشرعن كل أشكال الاستغلال و الإجرام ضد الشعوب العربية و الإسلامية.
المظهر الحضاري في بدايات ثورة 25 يناير و مشاهد التكافل و الوفاق الوطني الرائعة، أقلقت السياسيين الغربيين الذين يقتاتون على تشويهنا و تصديرنا لشعوبهم كحثالة من البهائم، فكان لابد من تمزيق هذه الصورة و تشويهها و التأكيد بأن الشعوب الإسلامية و العربية ما هي إلا حديقة حيوانات مفتوحة، لهذا ليس من محض الصدفة أن يطل علينا عملائهم مباشرة بعد الثورة يفتوننا بأننا غير مُؤَهَّلِين للديمقراطية، و ليس من الغريب أن تدير مخابرات العملاء كل مشاهد البلطجة و التحرش و الاغتصاب و كل أنواع السفالة و الانحطاط التي رأيناها بعد ثورة 25 يناير و حتى الآن، فتسفيه و تحقير و “حَـيْـوَنَة” المواطن المصري بصفة عامة و الإسلاميين الثوار بخاصة، هدف غربي صهيوني، و حلقة في مؤامرة كبرى مدبرة و مخططة و ممنهجة و مستمرة. بعض القوى الإسلامية و الثورية تُعَوِّل على تحسين صورتها لدى الغرب و تقدم في سبيل ذلك تنازلات بالجملة من ثوابتها و حقها المشروع في المقاومة، و هذا ما أسميه شراء الوهم، فالحضارة الغربية حضارة مادية أنانية مسعورة، و القوى الغربية تنظر لأي نمو أو تطور إيجابي لشعوب المنطقة على أنه خسارة و تهديد لمصالحها.
العالم لا يعرف إلا لغة القوة ولا يحترم إلا الأقوياء. اعتمدوا من بعد الله على أنفسكم و مواردكم و انتزعوا حقوقكم نزعاً، لا تنظروا شرقاً ولا غرباً، فلن يمنحكم الغرب أكثر من مَوْزَة و قَفَص.
………. محمد عبد العزيز……….. 19/9/2014