بقلم| محمد عبد العزيز
مشهد يلخص صورة الحراك الثوري في عهد مبارك.
في الكلية قبل نحو خمسة و عشرين عاماً كنت طالباً لم أصادف أحداً يواجه النظام و يتظاهر ضده و يصدع بكلمة الحق غير طلاب الإخوان، مع قليلون من السلفيين غير المنتمين لجماعات، و عند بداية المظاهرة نزل أحد الأساتذة العلمانيين مسرعاً، و ناول كاميرا لأحد الطلاب و وقف أمام المظاهرة و أمسك بيد الطالبين اللذين يتصدرانها و نصب صدره و قال للطالب صور فالتقط له صورة، ثم خطف الكاميرا من يد الطالب و تركهم فوراً و اختفى .!!!
أدركت ساعتها أن الإخوان هم البديل السياسي المرتقب و أن الدكتور العلماني التقط صورة ليستخدمها كمستند في حال وصول الإخوان للسلطة، ليضمن مستقبله السياسي و يثبت أنه كان مشاركاً لهم في الجهاد بلقطة فبركها في ثلاث ثوان.!!!
خلاصة المشهد السياسي للمعارضة قبل ثورة 25 يناير:
1- أحزاب معارضة وهمية متواطئة مع النظام لاستكمال الديكور مثل الوفد و التجمع.
2- ليبراليون و علمانيون متطلعين تم حرمانهم من الكعكة و يحاولون إزعاج النظام للحصول على مكاسب.
3- حفنة من المثقفين الذين يرون ضرورة التغيير و استحالة بقاء الوضع على ما هو عليه.
4- الإخوان أعرق وأهم جماعة دعوية و إصلاحية في تاريخ مصر همهم إصلاح ما يفسده النظام و عينهم على ثورة و صحوة إسلامية كبرى مستعدين للتضحية من أجلها بأنفسهم و أموالهم يرقبون ظهورها في الأفق.
5- السلفيون يركزون على الشعائر و معظمهم قد أرجأ موضوع الحكم إلى حين ظهور المهدي المنتظر، و خاصة المتأثرين منهم بالمنهج الوهابي، قد اخترقهم أمن الدولة و زرع بينهم عملائه بداية من مخبر الصلاة إلى مشايخ تتحدث في كل شيء إلا ما يغضب نظام مبارك أو يعارض سياساته، باستثناء مجموعة من المشايخ الذين لا يخشون في الله لومة لائم، و هم حصراً الموجودون الآن بالمعتقلات و خارج مصر و الذين حددت إقامتهم و حوصروا أو حبسهم المرض.
6- السلفية الجهادية بين مسجون و يائس من المقاومة بعد أن فشلوا في حشد المجتمع للجهاد ضد النظام.
7- بعض الحركات المجهولة، معدودة الأفراد، التي ظهرت قبل ثورة 25 يناير بسنوات و تجرأت على مبارك و وقفت تحتج و تهتف و تعترض و لم يكن مبارك تقريباً يتعرض لهم.!!!
يفسر جرأة هذه الحركات على النظام رغم قلة عددهم و هشاشة تكوينهم مشهد حضره قريب كان يعمل عند صاحب شركة مصرية مشهورة يتلقى خمسة ملايين دولار سنوية من الصهيونية العالمية مقابل حلقة إجبارية يومية لعماله المصريين يرددون فيها شعارات ماسونية، قال لعماله بالحرف الواحد : “كوندليزا رايز قالتلي اعمل اللي يعجبك و اعتبر شركتك أمريكية، و لا يهمك من البقرة الضاحكة مبارك”.
لقد كانت الخارجية الأمريكية تمارس مع مبارك نفس أسلوب الابتزاز الداعر تحت شعار الديمقراطية و حقوق الإنسان، و مولت بالفعل لهذا الهدف حركات و جمعيات تحت مسميات و رايات مختلفة ليس من بينها راية إسلامية واحدة.
و بالطبع كان بعض المخلصين و المقهورين ينضمون لهذه الحركات المسنودة بحسن نية و جهلاً باللعبة و هؤلاء هم الذين كان يتم التنكيل بهم عند اللزوم.
في بدايات ثورة 25 يناير بدأ الموضوع على الطريقة القديمة لهذه الحركات المجهولة ، ” هيا نستعرض، و نزعج النظام، و نطالب بتحسين شروط العبودية “، لكن أعداد المخلصين السذج التواقين للحرية الذين انضموا للحراك تزايدت و أصبحت أكثرية نتيجة السخط الشعبي العام، و تطور الأمر لما لم يكن في الحسبان، و ظن الإخوان بالشعب خيراً و أن الشعب قد أفاق و أن وقت التغيير و الثورة الشاملة قد جاء فقرروا النزول دون الإعلان رسمياً، تحسباً لألاعيب النظام بتصوير الأمر على أنه أعمال عنف لجماعة محظورة و ليس ثورة شعبية، و عندما اتضحت الصورة للشعب أعلن الإخوان النزول رسمياً، و شهادة لله و للتاريخ، لولا نزول الإخوان من بعد مشيئة الله ما تحولت الاحتجاجات لثورة و لقضي عليها في مهدها.
لم يتحمس معظم قادة العسكر لأوامر مبارك المباشرة بسحق الثوار لخبرتهم السابقة بنذالته و أنه لن يحميهم، فلجأ لخطة فتح السجون و نشر الفوضى التي كانت خطة احتياطية لتوريث جمال، فكان خطئاً استراتيجياً أدى لانهيار الذراع الأمنية لمبارك، و زاد السخط و اشتعال الثورة، و كان ما كان، و سبح الجميع مع التيار لركوب الثورة و استثمارها و التحدث باسمها بمن فيهم العسكر الذين رأوا في الأحداث فرصة للتخلص من مسلسل التوريث و أشرفوا بأنفسهم على انهيار جهاز أمن الدولة ليحصلوا على التسجيلات و الفيديوهات و الوثائق التي قيدهم و أذلهم بها حسني مبارك.
رغم أغنية أخطاء الإخوان التي يرددها البر و الفاجر فقد كان الإخوان أكثر مكونات الثورة إدراكاً للموقف السياسي و حقائق موازين القوى و ارتأوا ضرورة تقصير الفترة الانتقالية و سحب الشرعية بسرعة من المجلس العسكري و عدم إضاعة الوقت قبل أن تجمع الدولة العميقة قواها و تنقض على الثورة، لكن جهل و غباء معظم التيارات الأخرى وقف عقبة في طريق الإخوان، و أبى الجميع أن يشاركوهم، بعضهم لأنه ضد الإسلام و الإخوان، و بعضهم لأنه ضد الثورة من الأساس، و بعضهم بسبب غرور الكبر، و البعض بسبب الحقد السياسي حيث كان يعتبر الثورة غنيمة و كعكة يريد أن يحصل منها على النصيب الأكبر من دون الإخوان.
جاءت الانتخابات، و اكتسحها الإخوان ” العدو التاريخي للدعارة في مصر “، فأصاب الذعر مواخير الدعارة السياسية و التشريعية و التنفيذية و الإعلامية، و تأكد لهم استحالة احتواء الثورة في وجود الإخوان، و أن مستقبل فسادهم و نظامهم الداعر في خطر فكان لابد من القضاء على الثورة بضرب نواتها الصلبة “الإخوان”، تعاون في ذلك جميع القوادين في الجيش و الشرطة و القضاء و الإعلام و الوزارات مع ذباب المال و زنادقة الأعمال.
تم استدراج قيادات شباب الثورة فئة ” عاطل و غير منتمي” و احتضنتهم الدولة العميقة و أغدقت عليهم من أموالها و إعلامها و حشيشها و أفيونها و عاهراتها و أشعرتهم أنهم الأبطال الفاتحين، و النوابغ النابهين، و العباقرة الملهمين، الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم و لا من خلفهم، و أقنعتهم أنهم هم الأحق بالحكم و أن الإخوان سرقوا منهم الثورة و لابد من التخلص منهم، و تم احتلال ميدان التحرير ببضعة خيام تحميها البلطجية بهدف منع القوى الإسلامية التي تمثل المكون الأعظم و النواة الصلبة للثورة، من دخول الميدان بحجة الفصل بين قوى الثورة المختلفين سياسياً، و قالوا لهم لكم ميادينكم و لنا ميدان التحرير، و بذلك صرفوا الأضواء عن حشود أنصار الشرعية و ركزوها على حفنة المُضللين.
و قامت المخابرات بصناعة تمرد و اختارت لها قيادات سفيهة من المنحرفين الذين يبيعون أي شيء من أجل المال و ساندها الفاسدون و المغفلون و تم الانقلاب على الثورة بحجة إزاحة الإخوان، من أجل تأسيس عصر ذهبي جديد للفساد و الدعارة في مصر بكل صنوفها، ليعود الفساد بكامل طاقته، و تعود الإدارة بالدعارة.
…………….. محمد عبد العزيز ……………..