فيه مئات من الأشخاص اتحكم عليهم بالإعدام في 2016. ولكن اللي اتعدموا في آخر 2017 بس تقريبًا قد اللي اتعدموا خلال 2016 كلها. طبعًا مافيش إحصائيات رسمية، بس اللي الأخبار تداولته إن فيه 24 شخص اتعدموا في 2016، والرقم دا زاد لـ49 خلال 2017، بالإضافة لإعدام 7  أشخاص في محاكمات عسكرية في أول عشر أيام فقط من 2018.

ماعرفش إيه الأصعب، إنك تقابل حد بتحبه ربع ساعة بس كل شهر، بس يبقى عندك أمل إنه عايش، ولّا إنه يبقى قدامك وتحضنه براحتك بس بعد ما تستلمه من المشرحة، بعد ما تستنى على الرصيف كام ساعة على ما الباشا يمضي تصريح الدفن، وقبل ما تضطر تدفنه بأسرع وقت عشان إكرامه بدفنه، وقبل ما عقلك يقدر يستوعب إنه مات أصلًا.

مافيش ربع ساعة تانية، مافيش حاجة فاضلة تستحمل عشانها أذى الباشوات. كل لمسة هي آخر لمسة، وكل نظرة الأصعب.

مصر ماكفّاهاش إعدام 15 بني آدم في يوم واحد. بعدها بست أيام أعدمت أربعة كمان على الأقل. ومكانتش صدفة إن كل مرة كانت بتبقى بعد استهداف حد مهم وهجوم دموي على حاجات مهمة. دائرة مفرغة مِن «يعلن التنظيم تنفيذ..»، و«تعلن مصلحة السجون تنفيذ..»

على قد رفض أي حد للجرائم دي، على قد ما هو واضح إن الإعدامات بقت عملية تصفية رهائن محتجزة في أقفاص الدولة.

دائرة مفرغة مِن «يعلن التنظيم تنفيذ..»، و«تعلن مصلحة السجون تنفيذ..»

وبما إن التسعتاشر شخص تحولوا لرهائن قابلة للقتل بسبب المحاكم العسكرية، فمهم جدًا نفتكر تفاصيل محاكمتهم. الأربعة، اللي السنة بدأت باستلام جثثهم، كانوا متهمين بتفجير جزء من ستاد كفر الشيخ، في نفس المكان اللي طلبة من الكلية الحربية كانوا مستنيين فيه الأوتوبيس، ومات فيه تلاتة منهم.

لكن على الأقل تلاتة، من الأربعة اللي اتعدموا، ماكانوش جنب الاستاد أصلًا، زي ما جا في الورق اللي عليه ختم النسر. وأهالي تلاتة قدموا أوراق، اتختمت برضه بنفس النسر، إن ولادهم اتخطفوا من بيوتهم قبل أي أوامر ضبط، زي لطفي اللي اتخطف لأكتر من 76 يوم. وطبعًا ماكانوش «بياكلوا جاتوه» عند السادة المسؤولين.

والمؤسف والمضحك إن حتى الأقوال اللي قالوها بعد التعذيب ماكانتش محبوكة كويس. لطفي قال إن التفجير كان بريموت موتوسيكل، والتقارير الفنية بعدها قالت إنه حصل بهاتف محمول.

وعلى عكس اللي لطفي قاله، فالعبوة الناسفة ماكانتش محطوطة في كيس زبالة، وإنما كانت في شنطة من بتوع طلبة الكلية الحربية. بعد الواقعة المؤسفة، مسؤول في الحربية عمل مداخلة في برنامج تلفزيوني، ونفى إمكانية تورط حد من الطلبة في التفجير.

وبعد تصديق المحكمة العليا على الحكم بإعدام الأربعة المحبوسين، فيه ناس في قضية تانية خالص قالوا إنهم يعرفوا مين اللي عمل التفجير. وبدل ما المحكمة تشك إن وارد تبقى فيه حاجة غلط، وإن الناس دي فيه احتمال تتعدم ظلم، رفضت أي التماسات ليها علاقة بالموضوع.

وخلاص فات الأوان: محدش برا القضية هيعرف لو كانت الناس دي ليها ذنب أو مالهاش.

الإعدامات عامة ماهياش اختفاء سحري. الموضوع فيه تفاصيل، وتفاصيله مرعبة.

القاتل بينفذ تعليمات، والمحكمة بتسأل المفتي، والمفتي «بيترك الأمر لعدالة المحكمة». بس لو بنتعازم على قرار القتل كل مرة، يبقى احنا كمان مشتركين في تحمل مسؤوليته كاملة

القتل المباح دا هنا بالشنق، والشنق برضه فيه تفاصيل، من أول حسابات الوزن وطول الحبل (اللي مشكوك إنها بتتعمل أصلًا) لحد الوقت اللي بيعدّي على ما الإنسان دا يموت. فيه حسابات إن متوسط المدة دي 25 دقيقة. بس الأكيد إن الخمسة وعشرين دقيقة دول مش بيتحسبوا بقواعدنا. 19 بني آدم في 25 دقيقة يعني 475 دقيقة قتل في أسبوع واحد. دا غير مسبوق، وغير محتمل، وبالتأكيد غير مبرر وغير عادل.

وبعد كل يوم شاق في الفترة اللي فاتت، موظفين القتل بيتكافئوا بـ«100 جنيه على الراس». أصل الدولار غلي، وحياة الناس عمالة ترخص.

فيه حاجة جوهرية غلط في المنظومة دي كلها. ولأنها دولة بيروقراطية وورقية، مافيش حد نسأله عن أسباب فشل المنظومة. القاتل بينفذ تعليمات، والمحكمة بتسأل المفتي، والمفتي «بيترك الأمر لعدالة المحكمة». بس لو بنتعازم على قرار القتل كل مرة، يبقى احنا كمان مشتركين في تحمل مسؤوليته كاملة، بمعنى إن كل الموظفين اللي بيشاركوا في القرار شايلين ذنب كل اللي حياته بتنتهي بسبب قرارهم. الحياة مابتتوزعش، وكذلك مسؤولية إنهائها. 19 حياة في أسبوع.

لو ابنك أو أخوك الكبير اتخطف واتضرب واتكهرب عشان يقول كلام يرضي الباشا، مش هيبقى عندك شك إنه مظلوم، مهما التحريات السرية، واللي ماحدش يقدر يطّلع عليها، جرّمته. ولو اللي خاطفه راح قتله كرد فعل سياسي، مش هيبقى عندك حاجة بعد كدا تخسرها. وهو فاضل إيه بعد كدا يتخسر؟

الدولة في الحالة دي مش بتبقى الحكم العادل اللي يفصل في خصومة، ولكن الخصم غير العادل بالمرة. ومن الغباء تحدي أشخاص، وهم كتير وبيزيدوا بالمناسبة، غاضبين وماعندهمش حاجة يخسروها. إعدام الـ15 مامنعش العمليات «الإرهابية». بالعكس، معدلها زاد. والاستمرار في الإعدام بمنهجية الثأر دي هيزوّد الطين بلة.

من رسائل المحكوم عليه بالإعدام لطفي إبراهيم خليل إلى ابنته ريماس

بالنسبة لأهاليهم، دول 19 شهيد، ووجودهم يتخطى الحاجز الجسدي.

لطفي هيفضل عايش مع أهله، فيه بنته «الدكتورة ريماس»، على حد وصفه ليها في الجوابات، اللي لسا عندها أربع سنين، وفيه براء اللي هو سمّاه كده، وفيه خناقاته القديمة مع أخته، ووقفته معاها في كل تفاصيل حياتها، والصابون اللي طلبه من مامته، وبدل ما يغسل بيه هدومه نحت اسمها فيه واداهولها هدية، والجواب اللي كتبه لباباه وفضل سر ما بينهم، وفيه خطيبته اللي اتعرف عليها خلال زيارة السنة دي، وفيه هدومه اللي لسا عليها آثار الصعق بالكهربا، وفيه قِفل البوابة اللي أهله فضلوا سايبينه مكسور من ساعة القبض عليه.

وفيه طبعًا حيطة الزنزانة اللي كل الناس، اللي نقشوا عليها كتاباتهم، لسا عايشين جواها.