مبادرة جمع الفكة دون رقابة تمكن السيسي من نهب 50 مليار جنيه من جيوب الشعب والتي بادرت جميع البنوك بتفعليها بأوامر وتوجيهات من البنك المركزي وضخها في صندوق “تحيا مصر”، لتعيد إلى الأذهان حقيقة وخفايا هذا الصندوق الغامض، الذي أسسه جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي للنهب المنظم لمليارات الشعب بعيدًا عن أعين الرقابة.

ودشن رئيس الانقلاب في 24 يونيو 2014، صندوق تبرعات لدعم ما وصفه بـ”المشروعات القومية” تحت اسم “صندوق تحيا مصر”. ودعا رجال الأعمال والشركات الاستثمارية إلى التبرع للصندوق، مطلقا حملة التبرعات بإعلان تنازله عن نصف راتبه البالغ 42 ألف جنيه شهريا ونصف ثروته المالية، من دون أن يحدد حجمها.

وطلب السيسي من البنك المركزي فتح حساب خاص بالصندوق لتلقي تبرعات المواطنين، التي انتهجت الدولة أساليب عديدة للحصول عليها، بدءا من حملات الرسائل النصية وحتى إجبار الطلاب والموظفين في بعض المحافظات على التبرع للصندوق.

 

«100» مليار على جنب كده!

ولا ينسى المواطنون تصريحات السيسي الغريبة والشاذة يوم25 يوليو 2014م، خلال احتفاله بليلة القدر في رمضان 1436ه، والتي طالب فيها رجال الأعمال وجموع المواطنين بالتبرع “بـ100 مليار جنيه على جنب كده”!.

وهو التصريح الذي حلل بعض الخبراء مفرداته، وانتهوا إلى أن السيسي يدشن مرحلة من مراحل النهب المنظم تحت لافتة دعم المشروعات القومية.

 

 

دلائل النهب المنظم

وأعلن محمد حمدان عشماوي، المدير التنفيذي للصندوق، خلال لقاء تلفزيوني، عن أن حصيلة الصندوق تقترب من 10 مليارات جنيه (نحو 564 مليون دولار)، وأن السيسي كان يأمل في أن يجمع 100 مليار على الأقل في أول 3 سنوات. إلا أن الأرقام التي أعلنها عشماوي تبدو غير منطقية قياسا بالأرقام الضخمة التي أعلنت الشركات الخاصة والجهات الحكومية الكبرى التبرع بها للصندوق حتى قبل إنشائه، إذ تبرعت عائلة ساويرس بثلاثة مليارات جنيه، ومجموعة محمد الأمين بمليار و200 مليون جنيه، والجيش بمليار جنيه، ومجموعة عامر للاستثمارات السياحية بنصف مليار جنيه، ورجل الأعمال محمد أبو العينين بربع مليار جنيه، ورجل الأعمال أحمد أبو هشيمة بمبلغ 100 مليون جنيه، إلى جانب حصيلة تبرعات البنوك المصرية وشركات التأمين المحلية والأجنبية.

 

الصندوق يتسبب في الإطاحة بجنينة!

وكشفت معلومات موثقة من الجهاز المركزي للمحاسبات، بحسب صحيفة “العربي الجديد”، عن تلقي الجهاز تعليمات صريحة من رئاسة الانقلاب مؤيدة بفتوى أصدرها مجلس الدولة، بعدم مباشرة أي دور رقابي على أموال وأنشطة صندوق “تحيا مصر”، سواء على المستوى المحاسبي أو القانوني، كاستثناء وحيد من بين كل الجهات التي تدير المال العام، والتي ينص دستور الانقلاب على خضوعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.

وبعد الإعلان عن تأسيس الصندوق بنحو 5 أشهر، في 13 نوفمبر 2014، أصدر السيسي في غياب البرلمان، قانونا حمل الرقم 139 لسنة 2014 بإنشاء الصندوق رسميا بدلا من صندوق “دعم مصر”، الذي كان قد أنشئ في أعقاب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ليكتسب الصفة الاعتبارية كجهاز حكومي تابع لرئيس الوزراء، بعد نجاحه في اجتذاب مليارات الجنيهات. ونصّت المادة الثامنة من ذلك القانون، الذي أعد وأصدر على عجالة، على اعتبار أموال الصندوق “أموالا عامة في تطبيق أحكام قانون العقوبات”، أي أن الاستيلاء عليها يُعتبر استيلاءً على مال الدولة، كما نصت المادة ذاتها على أن “يتولى الجهاز المركزي للمحاسبات مراجعة ومراقبة حسابات الصندوق وإعداد تقرير ربع سنوي يعرض على رئيس الجمهورية”.

وفي 30 نوفمبر 2014، أي بعد صدور القانون بأسبوعين تقريبا، بدأ هشام جنينة في ممارسة الإجراءات التي نص عليها القانون، فأسند مهام الرقابة على الصندوق إلى قطاع الخدمات الرئاسية التابع له مباشرة، والذي يقوم بمراقبة أوجه الإنفاق في الجهات التابعة لرئاسة الجمهورية، وطلب من الإدارة المركزية للرقابة المالية على الجهاز الإداري للدولة والوحدات الخدمية بالجهاز، بدء مخاطبة الجهات الحكومية لمعرفة موارد الصندوق وأوجه إنفاقه، استعدادا لتقديم التقرير الأول إلى السيسي.

ويبدو من المستندات أن جنينة وأعضاء الجهاز المركزي للمحاسبات تعاملوا “بجدية أكثر من اللازم”، بحسب تعبير مصدر مطلع في الجهاز، إذ أرسلوا إلى رئاسة الوزراء خطابا في 31 ديسمبر 2014، يطالبونها ببيان رسمي بكل موارد الصندوق في الداخل والخارج. لكنَّ رئيس الوزراء ومساعديه الإداريين تجاهلوا الرد تماما، على الرغم من أن رئيس الوزراء هو رئيس مجلس أمناء الصندوق، وهو من يعيّن مديره التنفيذي.

واستمر الجهاز المركزي برئاسة جنينة يحاول طرق الأبواب لمباشرة دوره الرقابي، فأبلغته المعلومات بأن هيئة الشئون المالية للجيش والتابعة لوزير الدفاع هي التي تقوم بأعمال المحاسبة والإشراف على تلقي التمويل والإنفاق، فتوجه فريق من موظفي الجهاز إلى هيئة الجيش المالية في 18 مايو 2015، (أي بعد 6 أشهر من صدور القانون ومرور موعدين للتقرير ربع السنوي)، لفحص أعمال الصندوق، لكنهم لم يمكنوا من الاطلاع على أي مستند.

وقال المصدر المحاسبي المطلع، إن “وفد الجهاز الذي تحرك بأوامر من جنينة تعرض لما يشبه الطرد من مقر هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة، وحاول جنينة التواصل مع السيسي عبر مدير مكتبه عباس كامل، إلا أنه لم يتلق أي رد بشأن ما حدث. وبعد أيام قليلة تمت الإطاحة بجنينة من رئاسة الجهاز المركزي، في تكريس للفساد وحماية للمفسدين.

قانون لحماية النهب!

الأكثر غرابة أنه تم إعداد قانون جديد أصدره السيسي تحت رقم 84 لسنة 2015 في 8 يوليو 2015، ونصّ على تمتع صندوق “تحيا مصر” بالاستقلال المالي والإداري، وإسناد سلطة تحديد أساليب الإشراف عليه وإدارته وتصريف شئونه إلى رئيس الجمهورية من دون التقيد بالنظم الحكومية المنصوص عليها في أي قانون آخر، وإسناد الرقابة على أعمال الصندوق المحاسبية إلى مكتب مراجعة مسجل لدى البنك المركزي تختاره إدارة الصندوق، وقصر دور الجهاز المركزي للمحاسبات على “إعداد تقرير بمؤشرات أداء الصندوق سنوياً على ضوء القوائم المالية المعتمدة من مراقب الحسابات”!.

وبذلك تم إبعاد الجهاز المركزي تماما عن مباشرة الدور الرقابي على الصندوق، ما يعني أن أعمال الصندوق نفسها المقدرة بالمليارات تظل بعيدة عن رقابة الجهاز المقررة دستوريا.