نشر موقع “ديلي بيست” تقريرا أعده كل من آن سبيكهارد وأردين شاجوكوفيتش، يتساءلان فيه عن سبب عدم تمكن الولايات المتحدة من القضاء على زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، رغم ما لديها من مصادر معلوماتية وقدرات عسكرية متفوقة.

ويشير التقرير، إلى أن هذا السؤال يأتي في سياق ما أعلن عنه في الشهر الماضي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن انتصار قواته على مقاتلي التنظيم، وطردهم من كامل الأراضي العراقية.

ويفيد الكاتبان بأن البغدادي لم ير منذ إعلانه الخلافة في عام 2014 من مدينة الموصل، حيث أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف دولي بقيادتها لإضعاف تنظيم الدولة وهزيمته، وأعلنت واشنطن عن جائزة مالية بقيمة 25 مليون دولار لمن يقبض على البغدادي حيا أو ميتا، إلا أنه استطاع الهرب رغم المحاولات المستمرة والإعلانات المتكررة عن استهدافه وجرحه أو موته، فـ”الزعيم لا يزال حيا والجائزة في مكانها تنتظر من يأخذها”.

ويذكر الموقع أن كلا من سبيكهارد وشاجوكوفيتش أعدا هذا التقرير عن مكان البغدادي، وذلك في زيارة قاما بها إلى بغداد، بصفتهما باحثين في المركز الدولي لدراسة العنف المتطرف، وقابلا في أثناء الزيارة عددا من سجناء التنظيم لدى السلطات العراقية، وتساءلا عن السبب الذي جعل أمريكا، رغم ما تملكه من قوة عسكرية، غير قادرة على متابعة البغدادي وقتله.

ويجد التقرير أن قلة المعلومات الاستخباراتية عن البغدادي هي السبب لذلك، بالإضافة إلى صعوبة اختراق الجماعة الإرهابية، مشيرا إلى أن مصادر أردنية زعمت أنها اخترقت التنظيم من خلال واحد من العملاء، الذي وصل إلى رتبة قيادية قبل إجلائه من الرقة قبل الهجوم النهائي للقوات التي تدعمها الولايات المتحدة على معقل التنظيم في سوريا.

ويلفت الكاتبان إلى أن عددا من مسؤولي الحكومة في كوسوفو اعترفوا بأنهم حاولوا اختراق التنظيم لكنهم فشلوا، وتم اكتشاف أحد الذين أرسلوا وقتل، مشيرين إلى أن “الروس والموساد الإسرائيلي أعطوا انطباعا بأنهم نجحوا في اختراق تنظيم الدولة، إلا أنه من الواضح أن المعلومات التي جمعها عملاؤهم لم تصل في الوقت المناسب”.

ويخلص الموقع إلى عدم وجود حكومة لديها المعلومات الكافية لملاحقة البغدادي وقتله، لافتا إلى أن الباحثين اكتشفا، من خلال مقابلات أجراها المركز مع 61 منشقا عن التنظيم وسجناء منه، أن الجماعة تسيطر على كوادرها كلهم، وتتم مصادرة الهواتف النقالة، ومن يسمح لهم باستخدامها، فإنه عادة ما تتعرض الرسائل التي تصل إليهم للمراقبة.

وينوه التقرير إلى أن هناك رقابة شديدة على الاتصالات، ويعلم أفراد التنظيم مصير من يتهم بالخيانة، وهو الذبح، مشيرا إلى أن الباحثين استمعا في المقابلات التي أجرياها لقصص من السجناء عن قطع رؤوس روس تم اكتشاف عمالتهم للمخابرات الروسية، حيث “عادة ما توجه الاتهامات بناء على شكوك ودون أدلة تدعمها”.

جهاز الأمن

ويذكر الكاتبان أن جهاز “أمنيات” التابع للتنظيم، المكلف بمراقبة الاتصالات الخارجية، يقوم بفحص أي شخص يأتي للمناطق الخاضعة لسيطرتهم دون رسالة أو توصية،وبعد وضعهم لفترة تحت الرقابة يرسلون إلى جبهات القتال في اختبار لصدقهم، فلو حملوا السلاح ودافعوا عن الجماعة بشجاعة فهذا دليل ولائهم، وإن قتلوا فإنهم نالوا الشهادة وذهبوا إلى الجنة، وغير ذلك فإن مصيرهم النار.

ويشير الموقع إلى أن الجهاز الأمني لتنظيم الدولة يتكون من ضباط عسكريين وأمنيين عملوا مع نظام صدام حسين السابق، وتحالفوا لوقت قصير مع تنظيم القاعدة، الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي، لافتا إلى أن البحث عن الزرقاوي من عام 2003 إلى مقتله عام 2006، يقدم رؤية عن عملية الملاحقة للبغدادي اليوم.

 

ويورد التقرير نقلا عن الموظفة السابقة في “سي آي إيه” ندى بكوس، التي عملت “ضابط استهداف”، قولها في مقابلة مع “هيستوري تشانال”، إن عمل الضباط يقوم على تحليل المعلومات للتحرك بناء عليها، وأضافت أن الضابط يقوم بغربلة “جبال وجبال” من المعلومات، مشيرة إلى أن أي شخص عادة ما يترك وراءه “بصمات أو أي شكل من الأشكال التي يمكن العثور عليها، فكل إنسان يدفع للبحث عن أمور معينة: الطعام والماء والمسكن والتواصل مع الناس، وهذه أمور أساسية تدفع الناس للبقاء، وعادة ما يخلف وراءه آثارا”.

ويبين الكاتبان أن عملية الملاحقة تشمل البحث عن مكامن الضعف، مثل الحاجة لعلاج أنفسهم، أو أفراد من عائلاتهم، وكذلك اهتماماتهم الخاصة، وتفضيلهم مكانا على آخر، وتقول بكوس إن الزرقاوي “كان شريرا مجنونا”، وأثار انتباه العالم عندما ذبح الرهائن، وقدم سابقة اتبعها من جاؤوا بعده، في أثناء عملية الملاحقة كان على الاستخبارات البحث عن المكان الذي يشعر بالأمان فيه “ومن أين يريد الاتصال، وكيف يريد ممارسة حياته اليومية، وكنا نعلم أن له عائلة كان أفرادها معه في بعض الأحيان”.

وبحسب الموقع، فإنه في نهاية المطاف علمت المخابرات أن الزرقاوي سيقابل عالم دين يعده مرشده الديني والروحي في مدينة بعقوبة في حزيران/ يونيو 2006، وتبعت الطائرات دون طيار سيارة الإمام، وعندما دخل البناية قامت طائرة “أف-16” بتسويتها من خلال رمي قنبلتين زنتهما 500 رطل، ولكن بكوس تشير إلى أهمية البحث عن مراكز القوة وربطها، التي تشير إلى عملية إعادة التنظيم تجميع قواه سواء تحت قيادة البغدادي أو غيره، وشن حرب جديدة في العراق وسوريا.

ويكشف التقرير عن أنه في المقابلات التي أجراها الباحثان مع السجناء، لاحظا أن عددا قليلا من هؤلاء شاهد البغدادي بعد خطابه في مسجد النوري في الموصل في حزيران/ يونيو 2014، ومنذ ذلك الوقت عاش حياته منعزلا، ويصدر بين الفينة والأخرى أشرطة تسجيل، وأبقى القادة الأمنيون تحركاته سرا.

ويعلق الكاتبان قائلين: “يبدو أن تنظيم الدولة تعلم من دروس الماضي، ومقتل القيادي الشيشاني باساييف والخطاب على يد الروس والزرقاوي وأسامة بن لادن على يد الأمريكيين, بألا يلاقي البغدادي المصير ذاته، وعليه فإن العثور عليه ليس مسألة متعلقة بالقدرات العسكرية المتفوقة، والرقابة على مدار 24 ساعة فوق الأراضي العراقية والسورية، فعندما كانت الموصل تحت سيطرة الجهاديين كان يتحرك عبر شبكة من الأنفاق، أما اليوم وقد انهار حكم التنظيم في العراق فيمكنه تغيير شكله، وارتداء النقاب، ليتحرك بعيدا عن الرقابة، وتعلم البغدادي، كما فعل أسامة بن لادن قبله، تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية، والتواصل مع مراسلين يثق بهم”.

ويقول الكاتبان إن “مثل (قط بتسع أرواح) ينطبق بشكل جيد على البغدادي، حيث تم الحديث عن مقتل البغدادي أكثر من مرة، بشكل ينطبق عليه مثل (قط بتسع أرواح)، ففي آب/ أغسطس قال قائد قوات التحالف الدولي الجنرال ستيفن تاونسند، إن مكان البغدادي غير معروف (وقد يكون في أي مكان في العالم.. وهذا ما أعتقده، قد يكون في مكان ما في العراق أو سوريا، وأعتقد أنه في مكان ما في وسط وادي نهر الفرات)، وهي منطقة تمتد من دير الزور في سوريا إلى راوة في العراق، (وهناك يعتقدون أنها الملجأ الأخير)”.

ويفيد الكاتبان بأن “تاونسند يعتقد أن القتال في هذه المنطقة لا يشبه حصار بلدة (فأنت لا تستطيع احتواء وادي الفرات كله، فهو منطقة واسعة ومعقدة)، بالإضافة إلى أن هناك عقبات من خلال وجود قوات منافسة فيه روسية وسورية، وتقدمت هذه القوات في الوقت الذي تدفقت فيه القوات الموالية للولايات المتحدة إليها”.

وقال تاونسند: “نبحث عنه يوميا.. وعندما نعثر عليه سنحاول قتله أولا، فمحاولة القبض عليه لا تستحق العناء”، حيث كان هذا الكلام قبل أربعة أشهر، ويتواصل القتال والبحث في مناطق خفض النزاع.

” وقال مسؤول بارز في سلاح الجو الأمريكي، قوله: “نحشد الكثير من الطائرات في قطعة صغيرة من الجو”، لافتا إلى أن غارة قتلت في كانون الأول/ ديسمبر مسؤولين بارزين في التنظيم، وهما أبو فيصل ونائبه أبو قدامة العراقي.

وينقل التقرير عن وولدمير فان ويلغينبرغ، الذي يساهم في “ديلي بيست” وتابع معارك التنظيم الأخيرة، قوله إن هناك عددا من الجيوب في شرق الفرات لا تزال تحت سيطرته، وكذلك في الصحراء، مشيرا إلى أن 70 مقاتلا وعائلاتهم سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها أمريكا، حيث من المحتمل أن يكون البغدادي في هذه المناطق أو في الصحراء.

ويقول الكاتبان إن البغدادي لا يزال مطلوبا حيا أو ميتا، ومن غير المعلوم كيف سينتهي أمره، لكن المسؤولين العراقيين والأكراد أكدوا أنه لا يزال على قيد الحياة، وأخبر مسؤول أمريكي بارز شبكة “سي أن أن” أن المخابرات الأمريكية فشلت في اعتراض اتصالات تؤكد مقتله، فـ”لو قتل لزادت الثرثرات والرسائل؛ نظرا لموقعه في التنظيم”.

ويختم “ديلي بيست” تقريره بالإشارة إلى أن مسؤولين في وزارة الأمن العراقية أخبروا الكاتبين أن العراق سيزيد من عملية البحث عن البغدادي وقتله، و”لو حدث ذلك فإنه سيكون انتصارا للعبادي، الذي يحاول الفوز في الانتخابات المقبلة، فيما يرى آخرون أن مصير البغدادي لم يعد مهما؛ لأن تنظيمه هزم”.