بقلم| محمد عبد العزيز
إذا كان العسكر في مصرقد فشلوا في مجال الطب البيولجي و انحدروا لمستوى “الكفتة”، فقد نجحوا بجدارة في السيكولوجي و تمكنوا في بضع و ستون سنة من تشكيل الوعي العام لمعظم الشعب المصري على هواهم و تشريبه بحالة من “التمثيلوجيا”، فنحن بجدارة مجتمع سيكولوجية التمثيل “التمثيلوجيا”.
في عهد مبارك صَرَّحت إلهام شاهين بأن رجل أعمال لبناني هددها بإرسال من يلقي على وجهها “ماء النار” فقامت الدنيا و لم تقعد، و اهتمت الدولة الرسمية بالقضية، وتم تسخير جهاز مخابرات أمن الدولة لحماية “ذات الوركين”، و زرعوا عناصر للتتبع و كاميرات للمراقبة، و قبضوا على الشخص المطلوب بمجرد وصوله للمطار.!!! حينها سألت نفسي ماذا لو كان هذا التهديد لأمي الشريفة المطحونة التي أفنت عمرها في صمت ترعى و تربي و تؤدب و تعلم، تحتسب و تصبر، و ترضى بما قسم الله لها من رزق حلال؟ هل كانت قضيتها ستنال هذا الاهتمام؟ هل كانت أجهزة الدولة ستسخر لأجلها هل كان الإعلام سيسمع عنها؟
و مع الوقت و توالي الشواهد أدركت أن الدولة هي الراعي الرسمي لعصابة الفنانين و أنهم جزأ لا يتجزأ من النظام القائم بل أنهم ركن من أهم أركانه، فالتمثيل هو البديل الأقل تكلفة الذي يمكن أن يقدمه العسكر للشعب للتعويض و الاقناع و الإلهاء و اللعب على العواطف و الميول لإحكام عملية السيطرة و التوجيه على الجيش و الشعب و مؤسسات الدولة المختلفة. لقد كان التمثيل و الرقص و الغناء سلاح العسكر الأمضى و الأكثر تأثيراً، و الذي تمكنوا من توظيفه بشكل محكم ليكون لجاماً ناعماً لجموا به هذا الشعب المُستَحمَر. فالتمثيل بمثابة الزبد و العسل الذي يتم خلطه بسم الرسالة الإعلامية التي تجذب الضحية لتقبل على حتفها راضية راغبة مطمئنة، فالفن السينمائي في مصر يكاد يكون المسؤول حصراً عن كل المفاهيم الدينية و التاريخية المغلوطة التي انتشرت في المجتمع المصري و لازالنا نعاني من ترسباتها.
إن البعد الإدراكي للإنسان هو المسئول المباشر عن تصرفاته و المحرك الحقيقي لردود أفعاله حتى و لو كان هذا الإدراك مختلاً أو مبني على غير حقيقة، سبق أن ضربت مثلاً في مقال بعنوان “وهم العالم الواحد” بأن من لا يدرك وجود عقرب حقيقي بجواره يظل مطمئناً بينما من اقتنع بوجود العقرب دون وجود فعلي له، يفقد اطمئنانه و يتصرف بناءً على هذا الإدراك. فالحقيقة الفعلية لا قيمة لها و لا اعتبار لدى الإنسان إذا خالفت الحقيقة الإدراكية و هذه الثغرة التكوينية هي التي استغلها و نفذ منها الأشرار و الفجار و الكهنة و السحرة و مروجوا الأكاذيب على مر العصور، فزينوا الباطل و قبَّحُوا الحَق و نبَّئوا الشياطين و شيطنوا الأنبياء. لقد وجد الحكام و السياسيين على اختلاف مشاربهم ضالتهم في الفن و الفنانين كوسيلة للسيطرة قابلة للشراء و متاحة بصفة دائمة،
فانحلال و فضائح الوسط الفني تجعل منه لعبة و اداة طيعة في أيدي اجهزة المخابرات، علاوة على أن طبيعة مهنة التمثيل لا تحمل قيماً مستقلة فالممثل يتبنى السيناريو الذي أعده المنتج و حدد مشاهده المخرج و مهمته تنحصر في حبك الدور المرسوم، يستطيع أن يضحك في وجهك و هو يكرهك و يزرف الدمع من عينه حتى يبكيك متأثراً، و يحدثك في القيم و المباديء حتى تظنه صِدِّيِقَاً و ما في قلبه ذرة من خير.. مع توسع و تعقد اللعبة احتاجت النظم الفاسدة في مصر و غيرها من يعمل لحسابهم من خارج الوسط الفني، كممثلين تخصص و مهنة لحبك و إتقان أدوار محددة يؤدونها في المجتمع بصورة مقنعة فتم انتقاء و إعداد و رعاية ممثلين من كافة التخصصات و المراجع العلمية ليضمنوا من يمثل لحسابهم أدوار العالم، و الداعية، و المُفتِي، و شيخ الأزهر، و دور الصحفي، و الإعلامي، و الكاتب، و المثقف، و دور المُعَارِض للنظام، و السياسي، و حتى دور الثائر عند اللزوم، و الأمثلة أمامكم بأسمائهم و شخوصهم.. في فترة الجامعة ذهبت مع صديقين لقصر الثقافة الذي يعمل به المخرج المشهور أيامها عبد الرحمن الشافعي نسأل عن ممثل مبتديء كان صديقاً يحمل نفس اسم المخرج”عبد الرحمن الشافعي”، فلما سألت بعض الموظفين هناك أين أجد عبد الرحمن الشافعي التفت أحدهم لي بعنجهية معترضاً و قال لي مفخماً الحروف تقصد “الأصطــاظ” عبد الرحمن الشافعي، فأجبته، نحن نقصد عبد الرحمن الصغير..، تعجبت يومها من هذا الانتفاخ الذي يعانيه هؤلاء و تسائلت في نفسي، هل فتح عبد الرحمن الشافعي عَكَّا؟؟؟
لكن بعد سنوات طويلة أدركت أن هؤلاء الممثلين و المخرجين و المطربين و من على شاكلتهم، فعلوا للنظام الفاسد ما هو أكثر من فتح عكا فقد فتحوا له مصر كلها، فَجَمَّلُوا وجهه القبيح، و مَجَّدُوا جَهلَه، و قَدَّسُوا جرائمه، و ثَبَّتُوا فساده و خَدَّرُوا الشعب بالوهم الجميل.
………محمد عبد العزيز……… 6/12/2015