منذ عدة شهور قال د. محمد الجوادي كلمة اثارت استغرابي وقتها. قال على قناة الجزيرة أن الإخوان المسلمين هم جوهر الشعب المصري. في الوقت نفسه كانت تثير سخريتي الدعاية التي يستخدمها العسكر حتى الآن, في وصف كل شيىء بأنه إخوان, فالطلبة إخوان , والمتظاهرون إخوان, وحتى الهواء نفسه إخوان, إلى أخر كل ذلك الهذيان. ومنذ يوم تقريباً أعدت قراءة الوثيقة التي نشرها الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه ( قذائف الحق ) والتي شرحت بالتفصيل خطة المخابرات العامة والأجهزة للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين وهي وثيقة مهمة سأعود إليها لفهم حقيقة الوضع الحالي.

والآن راقب بعناية كل ما حولك, فرئيس تركيا الذي يسعى الغرب للإطاحة به وبحكومته الاسلامية, عبر مظاهرات تدعو إليها الأحزاب العلمانية, تربى في صفوف الحركة الاسلامية التركية والتي نشأت من رحم الإخوان المسلمين. راقب القفزة الحضارية التي احدثها الرئيس اردوغان في تركيا, والعداء الغربي الشديد الذي يعبر عن نفسه في مخططات متوالية تقودها دول تحكمها انظمة يعينها الغرب. انظر إلى حركة حماس التي وقفت ضد الكيان الصهيوني واذاقته هزيمة مريرة ومرمغت سمعة جيشه في التراب, وقارن بين هزيمة الصهاينة المذلة في غزة, وبين مشاهد أسرى الجيوش العربية في هزيمة 67 وفيما يقولون عنه ( نصر أكتوبر ).

حاول أن تتابع كيف اخترقت حماس هواتف ضباط في المخابرات الصهيونية, وقارن ذلك باختراق الموساد لصفوف القيادة العليا في مصر, حتى وصل بهم الأمر لزرع جاسوس اسرائيلي اصبح صديقاً لعبد الحكيم عامر ويرافق عبد الناصر في طائرته لتفقد القوات قبل هزيمة 67 بأيام قليلة. قارن ما فعلته حماس بالمخابرات الصهيونية التي اعترفت أثناء العدوان الأخير أن تقديراتها بشأن قوة حماس لم تكن دقيقة وبين زيارة وفد من المخابرات الحربية المصرية للكيان الصهيوني ولقاءهم مع اشقاءهم من المخابرات الصهيونية للتنسيق لإسقاط الرئيس مرسي. وانتبه من فضلك لحقيقة أن حماس هي ابن حركة الإخوان المسلمين, ويقول عنها إعلام العسكر أنها ( فرع الإخوان المسلمين في فلسطين ) !

عد بالزمن قليلاً إلى الوراء, عندما أعلن السادات بناءاً على توجيهات من سادته في واشنطن, الجهاد ضد ( السوفييت الملحدين الكفرة ) في افغانستان, واعلن انه سيقدم كل التسهيلات لنقل ( المجاهدين ) إلى افغانستان لجهاد الكفار !

ستجد أن أغلب من حاربوا هناك كانوا من المنتمين إلى الإخوان المسلمين او من المتأثرين بهم, هؤلاء الإخوان المسلمين الذين حاربوا في افغانستان, هم من قاموا بتمزيق الجيش السوفييتي, وتحويل دباباته إلى خردة, ومرمغوا أنف أحد أكبر دولتين في العالم في تراب جبال افغانستان, ثم بعد أن قرروا العودة إلى بلادهم, كان لابد من اتهامهم بالإرهاب لتصفيتهم, فلم تكن الحكومات تسمح أن يتواجد على أراضيها من دمروا الجيوش السوفييتية !

ثم عُد بالزمن إلى حرب فلسطين سنة 1948, وراجع معركة التبة 86 والتي نجحت فيها العصابات الصهيونية في التغلب على الجيش المصري واحتلال التبة المتحكمة في طريق غزة – تل أبيب, بعد أن باغتته بهجوم مفاجيء ليلاً, واقرأ بالتفصيل كيف فشل الجيش المصري في استعادة التبة 86 من العصابات الصهيونية وكيف استعان قائد الجيش بمتطوعي الإخوان المسلمين لاسترداد الموقع, وكيف نجح فقط 35 من متطوعي الإخوان المسلمين القادمين من مصر في التغلب على 500 من العصابات الصهيونية وقتلوهم بالسلاح الأبيض واشتبكوا معهم لمدة ساعة ثم تحرك خلفهم الجيش المصري.

ثم اقرأ بعدها كيف اصدر رئيس الوزراء الموالي للانجليز المنتمي لحزب الوفد ( وحزب الوفد وسعد زغلول أكذوبة أخرى تستحق عدة مقالات ان شاء الله ), قراراً بحل جماعة الإخوان المسلمين وكيف كان المتطوعون الإخوان يتم اعتقالهم بعد وصولهم من أرض فلسطين إلى مصر. حاول أيضاً ان تبحث عن نسخ من الصحف البريطانية القديمة وبها تصريحات لبعض كبار موظفي الوكالة اليهودية سنة 1947, يقولون فيها, أن عدوهم في المنطقة هم الإخوان المسلمين, هكذا بدون مواربة !

حاول ان كان لديك وقت أن تقرأ كتاب لعبة الأمم الذي كتبه ضابط المخابرات الأمريكي, مايلز كوبلاند, وستجده ينقل تقرير كيرميت روزفيلت الذي قدمه لأعضاء الكونجرس الأمريكي قبل انقلاب يوليو 1952, الذي يقول فيه, ان الضباط العلمانيين تتفق وجهات نظرهم مع السياسة الأمريكية وأن عبد الناصر لا يهتم بفلسطين !

حاول أن تستوعب الملابسات التي انشأ فيها حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين وكيف حاول مع الملك فاروق أن تكون مصر مقراً للخلافة, ستدرك أن جماعة الإخوان المسلمين, نشأت كرد فعل على قيام كمال اتاتورك في تركيا بالغاء الخلافة الاسلامية, وقبل ذلك التاريخ ومع أن مصر كانت تحت الاحتلال الانجليزي, لكن المصريين كانوا يعتبرون تركيا دولة الخلافة ويعتبرون مصر جزءاً منها ( بخلاف الأصوات التي قادت التيار القومي والتي بدأت تطفو على السطح لتأليب الرأي العام ضد الخلافة وتصفها بأنها احتلال تركي ).

عندما نشأت جماعة الإخوان المسلمين وقبل مرحلة الصدام مع الحكومات المختلفة ( حكومات الوفد ثم حكومات العسكر ), انتشرت الحركة بشكل كبير وفي مدة زمنية وجيزة لسبب بسيط, وهو أنها كانت تحمل أفكار المجتمع المحافظ ( لم تكن التيارات الوهابية قد ظهرت بشكلها الحالي ولم يكن هناك ما يسمى بالدعوة السلفية ولم يكن هناك حديث عما يسمى بالإرهاب ).

كان المجتمع المصري منقسماً بين اعتناق الحداثة ( الأفكار الغربية بكل ما لها وكل ما عليها ) عن طريق السينما والمسرح وشرب الخمور وغيره مما جاء به الاحتلال البريطاني ( لاحظ وقتها أن قضية السينما الأولى كانت اعتبار الراقصة امرأة شريفة تمارس وظيفة كغيرها وقبلها قضية تحرر المرأة وخلع الحجاب .. الخ ), وبين القطاع الأعم الذي يرى ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع التي ورثها عبر 14 قرناً من الإسلام.