الرجل لا يرى تقريبا بعينه اليسرى، وحالته حرجة، وتتطلب النقل العاجل للمستشفى، ولكنه يمسك بزمام الأمور بصورة ربما تثير غيظ قائد الانقلاب نفسه.
فناخبو الرجل المصرون على عودته يحرصون على مخاطبته بلقبه رئيسا منتخبا لم يغادر منصبه بصورة طبيعية.
الرجل يقبع في معتقلات الانقلاب العسكري، يغيبونه خلف قفص زجاجي يمنع صوته، يباعدون مرات ظهوره حتى لا ينعش الأمل في صدور رافضي الانقلاب العسكري، ولا يتوقفون حتى بعد 4 سنوات عن محاولات شيطنته والنيل من شخصه، ولكنه ما يزال الرقم الصعب في المعادلة.
يصعب أن تجد تهمة لم يفترها إعلام الانقلاب على الرئيس مرسي، لكنه الرجل الذي يفتقده الكثيرون منذ 4 سنوات. لا ريب أن الكثيرين يتذكرون الرجل وهو يميل على طفل يصافحه في بشاشة غير مصطنعة.
يتذكرون كلمات الرجل في مؤتمر نصرة سوريا، ولا ريب أن كلماته وتعبيرات وجهه في مناسبات عدة لم تمح من ذاكرتهم.
هو الرجل الذي يحدث كل هذه الموجات رغم غيابه المادي عن المشهد، فهو من يتمسك به رافضو الانقلاب العسكري، وهو من يتعارك معه داعمو العسكر.
يمكن القول إن الرجل غير الكثير في البيئة السياسية في مصر منذ خوضه انتخابات الرئاسة في 2012.
الدكتور مرسي أول رئيس ملتحِ يجلس على كرسي الحكم في دولة يسيطر العسكر على كل مفاصلها. بعد وصول الرئيس مرسي للحكم لم يكن بإمكان مؤسسات العسكر أن تستمر في التظاهر بأن كل شيء بالنسبة لها على مايرام.
لا ريب أن العسكر كانوا يرقبون بارتياع وقوف الرئيس مرسي في ميدان التحرير دون سترة واقية، كمن سبقوه، وأمامه كتل من البشر، لا ريب أن المشهد هالهم.
بعد فوز الرئيس مرسي كتب أحدهم، يتحسر على ما فاته من عدم الترشح للرئاسة!!
ولا شك أن ردود أفعال الأوساط السياسية والحزبية على فوز الرئيس مرسي بمقعد الرئاسة أمر جدير بالدراسة. فوز الرجل أحدث هزة مجتمعية وسياسية في مصر تستحق أن تُدرس.
خلال أقل من سنة وبتصرفات بسيطة، بدأ الرئيس مرسي في تحويل مصر من دولة تابعة إلى دولة قائدة، من دولة فاشلة إلى دولة تقوم من رقادها، من دولة تابعة إلى بلد ينفض التراب عن رأسه.
بالطبع، لم ينل الفرصة كاملة لتحقيق ذلك، ولكن القليل الذي أنجزه كان كثيرا إذا ما قورن بعقود من الفشل العسكري. وكان أوضح ما كشفت عنه التجربة هو أن الفشل تحت حكم العسكر مرده إلى الرغبة في الفشل.
اللافت خلال هذه السنوات، هي الرمزية التي اكتسبها الرئيس مرسي نفسه والسرعة التي تحول بها من رئيس منتخب إلى رمز.
ويمكن القول إنه لم ينجح حزب أو كيان سياسي في إحداث هذا التغيير طيلة العقود الماضية.
فعلى حين واجهت الدولة العميقة الرئيس المنتخب (الذي كان يقف عمليا وحده) بجيشها ومؤسساتها وإعلامها وقضائها، واجههم الرجل برفضه القاطع للتنازل عن منصبه.
ورغم أن الانقلاب من الناحية الواقعية يتصرف كأي دولة، فيعزل ويقيل ويصدر القرارات ويعقد اللقاءات، إلا أنهم حتى الآن لم ينجحوا في تجاوز عقبة الرئيس مرسي.
فإذا أرادوا القفز لمرحلة مسرحية انتخابات 2018، أصبح لزاما عليهم أن يحاولوا استدراج معسكر رافضي الانقلاب للتورط في المشاركة حتى إذا ما وصلوا لهذه النقطة وجدوا عقبة تدعى (مرسي).
ورغم فشل الحراك المناهض للانقلاب طيلة الفترة الماضية في تحقيق أي مكاسب، لكن يبقى الرئيس مرسي هو الورقة الرابحة التي يمكن من عندها لملمة الجهود المبعثرة.