بالأمس سبتني إحداهن على مقال لي على الجورنال بعنوان (خنفس افندي الاصطفافي) لاعنة الزمن الذي سمح لأمثالي بوصف سعد زغلول وعبد الناصر بالنفايات!

وانا هنا يا عزيزتي اعطيكِ مثالاً على كيفية تزوير التاريخ واوضح لكِ أنك أنتِ من تعيشين في فقاعة تحيطها الأكاذيب وأن ما ترينه معكوس، وما تسمعينه كذب وأن زعماءك عملاء.. الخ


ولابد هنا من التنويه أن جريدة الشعب خاضت معارك شرسة ضد عبد العظيم رمضان وقت نشر مذكرات سعد زغلول وهو ما لفت انتباهي إلى أننا اصبحنا بحاجة فعلية إلى جريدة مماثلة وإلى قنوات تستطيع الوصول للجميع بدلاً من تلك القنوات التي تحسب نفسها على الثورة وتقدم رسالة إعلامية مشوشة لا تغني ولا تسمن من جوع

في صفحة 95 من الكتاب يا عزيزتي ستجدين الكلمات التالية:

“واذا كان من الثابت من كل تلك الأدلة أن تعيين سعد زغلول ناظراً للمعارف، التي اصبحت نظارة مستقلة، كان بغرض إرضاء المشاعر الوطنية، واستجابة للمطالب الوطنية في حقل التعليم، الذي اصبح في ذلك الحين ((أرض المعركة)) – كما يقول إلجود- فإن هذا يوضح أن سعد زغلول كان قد اصبح في ذلك الحين وجها وطنياً شعبياً يرضى وصوله إلى الحكم الجماهير، وأنه وصل إلى المكانة الشعبية التي لا تختلف القوى الوطنية فيه من ناحية وطنيته ومقدرته واستنارته، حتى اصبح الإحتلال يتوسل بتعيينه لإرضاء هذه القوى، واصبح اختياره لنظارة المعارف علامة على رغبة الاحتلال في ((اصلاح سياسته)) و((الاستجابة لمطالب المصريين)).”
انظر إلى كم المغالطات والأكاذيب التي احتشدت في هذا المقطع وحده

الرجل دس كما من الأكاذيب وغرسها في عقل القاريء غير المنتبه محتمياً بلقب ((دكتور)) الذي يطالعك كالدرع في بداية الكتاب ليحجب عنك سبل التفكير المنطقي.

فما شاء الله اصبحت هناك مشاعر ((وطنية)) واصبح كرومر ممثل الاحتلال البريطاني في مصر يستجيب لها.

وقبل أن أكمل فلابد هنا من تعريف كلمة ((وطني)) و((وطنية))

فكلمة ((وطني)) التي يقصدها كرومر غير تلك التي تفهمها من النص، فالكلمة هي ترجمة لكلمة National أو Native وتعني أهل البلد أو المحليين ويقصد بها كرومر وغيره من ممثلي الاحتلال ومنظريه حين يقولونها، العنصر المحلي أو (الفلاحين) وهو ما اشار إليه عبد العظيم رمضان نفسه في الصفحة التالية.

والمقصود من الكلمة هنا هي أهل البلد في مقابل موظفي الإدارة التقليديين من غير المصريين والذين كانوا عادة ما يكونون أتراك أو شراكسة أو البان أو غيرها من العناصر غير المصرية والتي كانت تمثل نفسياً عند المصريين سلطة الخليفة العثماني وكانت تشكل الجهاز الإداري للدولة في مصر وغيرها.

والكلمة هنا في عبارات كرومر تشير إلى فصل الرابطة بين مصر كإقليم وبين الخلافة العثمانية عن طريق الاعتماد على العنصر المصري بدلاً من العناصر الإدارية التقليدية واللفظ يحتمل في معناه الأعمق عملية ((تمصير)) الإدارة والتي كان الاحتلال البريطاني يتجه إليها لفصل مصر وعزلها نفسياً عن محيطها الإسلامي وإثارة النعرات القومية.
وهو تفكير خبيث يكشف لك العدو الحقيقي للاحتلال الذي يسعى لمحاربته.

ولكن عند هؤلاء القوميين والشيوعيين من معتنقي الفكر (الذي شجع المحتل البريطاني على اعتناقه) يتحول مفهوم (السكان المحليين) إلى مفهوم أكثر فخامة ويتعهدونه بالتضخيم والإضافة والتزيين.

ليصبح (وطنية) ولتتخذ الكلمة مفاهيم مختلفة تماماً عن تلك التي كان يقصدها المحتل وإن كانت تسير في نفس الاتجاه.

بالإضافة إلى أن طريقة التفكير البريطانية توقظ الحساسيات العرقية وتخلق صراعاً بين العناصر العرقية لم يكن موجوداً في السابق.

فالمصري حارب البريطانين والفرنسيين وغيرهم تحت قيادة المماليك الشراكسة والأتراك وغيرها من العناصر دونما حساسية ولم ينزعج طيلة قرون حين حكم مصر غير مصريين، طالما كانوا مسلمين.
وبعد ان رسخ في ذهن القاريء مفهوم (الوطنية) المكذوب، انطلق ليحدثك عن بريطانيين يحرصون على إرضاء المشاعر (الوطنية) وليحدثك عن الانتصار في معركة (وطنية) وليوحي لك بوجود جماهير غاضبة من أجل تلك (الوطنية) المزعومة.

والحقيقة الخالصة تجدها بعد عدة كلمات في نفس الكتاب حين يضطر عبد العظيم رمضان لنقل كلام كرومر عن سعد زغلول ومحمد عبده وقاسم أمين ومجموعته التي تربت في صالون نازلي فاضل الماسوني (وهذه قصة أخرى) ليصفهم بأنهم (مجموعة قليلة العدد).

فلا سعد زغلول جماهيري ولا شعبوي لا سمح الله ولا هو من اجمع عليه الجميع بل كان مصطفى كامل رحمه الله لا يتوانى عن فضحه وفضح علاقته بالاحتلال البريطاني.

ولا كان اتجاه الموالي للاحتلال يلقى قبولاً لدى الناس بل كان كما يقول كرومر (فئة صغيرة كان المفتي السابق الشيخ محمد عبده المبرز فيها.) وقال عن ضرورات تعيين سعد زغلول ((لقد ذكرت أنه يجب أن نجتذب إلى جانبنا خير عناصر الحركة الوطنية في شكلها السليم، كعامل مضاد لأنصار الجامعة الإسلامية الذين أعتقد أنه لا يمكن إرضاءهم-))

أي أن كرومر يرى اجتذاب تلك المجموعة من السكان المحليين (الوطنيين بالمعنى الحرفي ودون رتوش الاكاديميين أعداء الاسلام) كعامل مضاد لأنصار الجامعة الاسلامية

وهم من كان يمثلهم مصطفى كامل رحمة الله عليه.

وهكذا ولأن رغبة عبد العظيم رمضان هي أن ينتصر لاتجاهه القومي (وهو بالاضافة إلى ذلك شيوعي) حول سعد زغلول من موالِ للاحتلال وأداة في يد كرومر إلى (وطني) ترغب الجماهير في انتصاره وترى تعيين البريطانيين له في وزارة التعليم (نظارة المعارف) انتصاراً وطنياً وهو يحول معنى كلمة وطني من معناها الأصلي الذي قصده كرومر (كسكان محليين) إلى معنى ضخم مجنح يكتسب أبعاداً أخرى ويصبح كالمضغة على ألسنة البسطاء دون أن يفهموا معناه.

ثم هو بعد أن يلوي التاريخ ويضع بين طيات كلماته أحداثاً لم تقع أصلاً ويصور الجماهير التي كانت تقرأ جريدة اللواء لصاحبها مصطفى كامل رحمه الله على انها كانت ترى في سعد زغلول رجلاً مستنيراً (ولا اعلم ما مرجعه ولكن في مصر التي لا صاحب لها يستطيع كل من حصل على لقب دكتور أن يكتب ما يشاء ليصدقه البسطاء طالما كان معادياً للاسلام وعلى هوى العسكر).

ويأتيك بتفسير لما قاله كرومر عن حقيقة عداوة سعد زغلول ومحمد علي وتلك (الشلة) للاسلام
ليقول:

مع أن هذا الصراع لم يكن أساسياً وانما كان الخلاف على أسلوب العمل الوطني وهل يكون بالاعتماد على القوى الوطنية!!

فيصور أن الصراع بين الاسلاميين ويمثلهم مصطفى كامل رحمه الله وبين المتغربين المتفرنجين خريجي صالون نازلي فاضل هو صراع حول أسلوب العمل الوطني (عمل السكان المحليين)!! لا صراع بين عقيدة وبين ولاء للمحتل وانصياع لثقافة غربية معادية بالكامل للإسلام.

وهو ما يفترض أن عبد العظيم رمضان يقرأ الكف ويعلم نوايا مصطفى كامل مثلاً والجملة نفسها تحمل تسطيحاً متعمداً من الكاتب لا لشيء إلا لأنه يرى الإسلام مسألة هامشية وتدور الأمور كلها عنده في فلك ما يسميه بالوطنية وهو يريد ان يقدم رواية مزورة يقنع بها قارءه ولا مشكلة عنده في (كام كذبة بيضا) من أجل تمرير طرحه (الوطني).

والهدف الحقيقي الذي من أجله تم تعيين سعد زغلول في منصب (ناظر المعارف) يشرحه كرومر نفسه فيما ينقله عبد العظيم رمضان في صفحة تالية:

“إن التغيير الذي حصل في شخص ناظر المعارف، لم يكن القصد منه تغيير طريقة التعليم التي تقررت بالأتفاق مع دانلوب، وإنما الغرض منه ان يشترك الوطني (من السكان المحليين) بالتربية الإسلامية المصرية على إدخال الإصلاح”

أي أن الهدف ببساطة هو إتمام عملية التغريب وفصل الدين ومحوه من التعليم بصورة لا تثير حفيظة السكان المحليين ولا يشعرون بها وبحسب خطة دانلوب وكرومر ولا يوجد أفضل من (أحد السكان المحليين) ليقوم بهذا لمعرفته بعادات (السكان المحليين) وطبيعتهم وكيف يمكن تمرير هذا بينهم دونما مشاكل تؤثر على الاحتلال أو تزعجه.

أي ان سعد زغلول هنا هو رجل الاحتلال الذي يعرف عادات القوم وأساليبهم وهو المستشار المحلي الذي يلجأ إليه المحتل لفهم هذا أو ذاك.

والعامل الأساسي والأهم في اختيار أمثال سعد زغلول وهو العامل الذي عادة ما يتغافل عنه المؤرخون التقليديون هو ماسونيته، فالمحافل الماسونية هي الأرضية المشتركية التي ذوبت الفوارق بين الاحتلال وبين السكان المحليين كما يقول كريم ويصا في ورقة بحثية له بعنوان (الماسونية المصرية من 1799 إلى 1921) والمحافل الماسونية هي الورشة التي يتم فيها صناعة أمثال سعد زغلول وما صالون نازلي فاضل وخريجيه من أمثال محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول إلا مثال على تأثير الماسونية في صناعة الأحداث.

وهو مع نقله لهذه الكلمات يحيطها بالكثير من التفاصيل عن انعكاس علاقات القوى ويدخل القاريء في حالة من (الرغي) الحقيقي بهدف التعمية وتثبيت أكاذيبه بشكل أرسخ ودون التطرق لتفسير تلك الجملة أصلاً.

بعد ذلك وبسبب توقيع (دكتور على تلك الرواية المكذوبة) تتسلمها لجنة أخرى في وزراة التعليم فتنزع منها العبارات الظنية وتحولها إلى مجموعة من العبارات التقريرية.

ويتم تكرار كلمة (وطني) كل سطرين، ويُخلع على سعد زغلول لقب زعيم.

وعن طريق التلقين يحفظ مئات الآلاف من الطلبة أكذوبة الزعيم (الوطني)

هكذا يا عزيزتي يتم تزوير التاريخ في المستعمرات التي تعيش في فقاقيع زمنية محاطة بأسوار من التضليل.

اتمى أن تكوني قد فهمتِ

عذراً على الإطالة عزيزتي وعلى سبيل الألش استعملي صابون النابلسي سعد زغلول وعطر الشبراويشي صفية زغلول لتكوني ساحرة

*مذكرات سعد زغلول الجزء الأول تقديم عبد العظيم رمضان

*FREEMASONRY IN EGYPT 1798-1921: A STUDY IN CULTURAL AND POLITICAL ENCOUNTERS