هل تذكرون الاسم الذي اختاره السعوديون لعمليتهم في اليمن عندما أطلقوها في الخامس والعشرين من مارس 2015؟ عملية عاصفة الحزم.
بحلول الحادي والعشرين من إبريل / نيسان أعلن رسميا أن العاصفة انتهت، إلا أن القصف الجوي استمر، وباتت الضربات الجوية تشن على المستشفيات والمدارس، وفي إحدى المرات على حفل زفاف في صنعاء، ضمن عملية أطلق عليها اسم “إعادة الأمل”.
وبعد عامين ونصف، استمر البؤس الجماعي الذي عاش فيه اليمنيون من كل القبائل، إلا أن تحالف القوات البرية الذي شكله السعوديون بدأت تظهر عليه أمارات الانهيار.
وبدأت الانقسامات تبرز بين القوات البرية اليمنية والأجنبية التي تقاتل ضد الحوثيين داخل البلاد، الأمر الذي يمكن أن يهدد مستقبل التحالف الذي تقوده السعودية.
السودان
تتكبد القوات السودانية، والتي تشكل الجزء الأكبر من المقاتلين الأجانب الذين يصل تعدادهم إلى عشرة آلاف مقاتل داخل التحالف الذي تقوده السعودية، نسبة عالية من الخسائر في الأرواح. فقد صرح مصدر مقرب من الرئاسة في الخرطوم لموقع ميدل إيست آي إن ما يزيد عن خمسمائة من المقاتلين السودانيين قتلوا في اليمن حتى الآن.
فقط قبل شهرين، صرح قائد قوة التدخل السريع في الجيش السوداني اللواء محمد حمدان حميداتي لصحيفة الخبر السودانية أن 412 من المقاتلين قضوا نحبهم بما في ذلك أربعة عشر ضابطاً.
وقال المصدر السوداني لموقع ميدل إيست آي: “بدأت الضغوط تمارس بكثافة من أجل الانسحاب من هذا القتال.”
تشارك في المعارك قوة قوامها تقريبا ثمانية ألاف مقاتل سوداني يقودهم جزئياً ضباط إماراتيون. ينتشر هؤلاء المقاتلون في جنوب اليمن وكذلك في جنوب وغرب تعز في المخا.
رئيس السودان عمر البشير نفسه بدأ يعيد التفكير في الأمر، ولكنه مازال يذكر المليار دولار الذي أودعته الرياض في البنك المركزي السوداني قبل عامين وأتبع بإيداع من قبل قطر بلغ 1.22 مليار دولار.
ولكنه لا يسر بحيازة لقب “رئيس المرتزقة”، كما أن لديه علاقات أخرى لابد أن يأخذها بالاعتبار.
ويوم الخميس انضم البشير إلى طابور الزعماء العرب الذين يمموا وجوههم صوب باب فلاديمير بوتين، حيث أخبر الرئيس الروسي بأنه يحتاج إلى الحماية من الولايات المتحدة، وأنه ضد المواجهة مع إيران، وأنه يؤيد سياسة إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.
جاء ذلك بعد حادث وقع داخل البلاد ( قبل أشهر )وصفته جهات متعددة بأنه كان عملية تجسس ومحاولة انقلابية، وذلك أن طه عثمان الحسين فصل من منصبه كمدير لمكتب الرئيس السوداني بعد الكشف عن أنه يحمل جواز سفر سعودي وتأشيرة إقامة في الإمارات العربية المتحدة، وضبط متلبساً بإجراء اتصالات سرية مع الطرفين.
الإصلاح
كما يسري التمرد في صفوف اليمنيين الذين رحبوا قبل عامين ونصف بالتدخل السعودي ضد الحوثيين الذين كانوا يسعون للسيطرة على البلاد بأسرها.
أكبر مجموعة مقاتلة منظمة على الأرض ضمن القوات البرية للتحالف في اليمن هي التجمع اليمني للإصلاح، الذي أقل ما توصف به علاقته الحالية مع السعوديين هو أنها متضاربة. ولعل لذلك علاقة بأن شريك ولي عهد السعودية محمد بن سلمان والمقرب منه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، شديد العداء للتجمع اليمني للإصلاح الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
استخدم الإماراتيون القوات السودانية لفرض الحصار على تعز، معقل التجمع اليمني للإصلاح، وذلك بحصارها من الجنوب وفي الغرب، إضافة إلى حصار تعز من الحوثيين في الشمال.
ومع ذلك يستضيف السعوديون قيادة التجمع اليمني للإصلاح في الرياض كما يستضيفون الرئيس اليمني المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي.
بات الخط الفاصل بين الإقامة في الفندق والإقامة في السجن رفيعاً جداً هذه الأيام في الرياض، وهذا ينطبق على الضيوف اليمنيين كما ينطبق على الضيوف اللبنانيين.
وحسبما يصف مصدر مقرب من هادي الظروف التي يعيش فيها الرئيس اليمني داخل الرياض، فإنها “مريحة ولطيفة ولكن تنقصها الحرية.” وقال إن هادي فعلياً أشبه بمن يعيش داخل “قفص من ذهب”، إذ لا يسمح له بزيارة اليمن ولا بإصدار التصريحات، مع أنه سوف يسمح له بالمغادرة للعلاج داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
أما قيادات التجمع اليمني للإصلاح في المناطق داخل اليمن فهم يملكون الحرية في التصرف ويظهر من نشاطهم أنهم يقومون بما يريدون.
وهم الآن يشعرون بالثمن السياسي الذي يدفعونه مقابل دعم حملة تحولت في أعين اليمنيين من التحرير إلى الاحتلال.
كما أنهم يدفعون ثمناً من حياتهم، فقد تعرض للقتل أو لمحاولات اغتيال عدد من مشايخ وعلماء الإصلاح وكذلك بعض السلفيين ممن اعترضوا على القيادة الإماراتية.
والقائمة آخذة في النمو، فقد اغتيل في السابع من ديسمبر 2016 خالد علي العرماني القيادي في إصلاح أبين، وفي الثالث والعشرين من نوفمبر 2016 اغتيل في حضرموت الشيخ عبد الله بن عامر بن علي بن عبدات الكثيري، وفي الخامس من يناير 2017 اغتيل في حضرموت عبد المجيد باتيس (من أقرباء القيادي في التجمع اليمني للإصلاح صلاح باتيس)، وفي السابع عشر من يناير 2017 اغتيل محمد بن لشقم، نائب مدير الأحوال المدنية بالمحافظة.
وممن تعرضوا لمحاولات اغتيال ونجوا منها:
القيادي في حزب الإصلاح، إمام وخطيب جامع الرحمن في منطقة اللحوم، الشيخ محمد علي الناشري، وفرج ناجي بن طالب، عمدة بلدة شيبام في حضرموت، وخالد الجماعي وعبد الحفيظ الفقيه، رئيس المكتب التنفيذي لتجمع الإصلاح في تعز، وعرفات الهلامي، قائد ميليشيا في دالي.
يكفينا ما لحق بِنَا من ضرر. هكذا يتحدث الآن قادة الإصلاح المحليين مما يدفعهم لتدارس البدء في فتح مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، بحسب تصريح أدلى به مصدر من الإصلاح في الداخل لموقع ميدل إيست آي.
وقال المصدر: “لا يخفي الإماراتيون عداءهم للإصلاح، وها هم مشايخ وعلماء الإصلاح يتعرضون للاغتيال، وهذا أمر يتم تنسيقه من قبل المليشيات الموالية للإمارات. إضافة إلى ذلك، تقوم الإمارات بكل وضوح بتشديد الحصار المفروض على تعز ومنع الدعم عن مقاتلينا داخل المدينة. ونتيجة لذلك بات عدد كبير من أعضاء وقواعد الإصلاح يشعرون بأننا ندفع ثمناً باهظاً مقابل هذا التحالف، وخاصة أن التأييد الذي يلقاه التحالف السعودي بين اليمنيين الذين أيدوا التدخل قبل عامين وصل إلى أدنى مستوياته.”
تقوم حسبة الإصلاح على أسس ثلاثة. أولاً، مازال لدى الإصلاح قوة قوامها ما يقرب من عشرين ألف مقاتل، وهؤلاء يحتفظ بهم كاحتياط. وبناء عليه، تعتقد قيادة الإصلاح أنها إذا ما بدأت بالتفاوض مع الحوثيون فهي تفعل ذلك من موقف عسكري قوي.
وثانياً، بدأ قادة المناطق في ترسيخ تواجدهم و القوات في مأرب وفي الجوف دون التفات إلى رغبات بقية مكونات التحالف الذي تقوده السعودية.
يقول المصدر من الإصلاح: “لقد ضحى الإصلاح بالكثير حتى يكون جزءاً من التحالف، ولكننا لا نحصل على ثمار تلك التضحيات، بل الذي يجري هو أن المؤامرات تحاك ضدنا من قبل أحد أعضاء التحالف، أي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. ولهذا السبب بدأ قادة المناطق في الإصلاح باتخاذ القرارات بأنفسهم لتعزيز وجودهم في مأرب وفي الجوف، دونما رجوع إلى التحالف ودون التزام بقراراته.”
وثالثاً، يعتقد الإصلاح أن الحوثيين ربما كانت لديهم أسبابهم الخاصة لكي يرغبوا في الحديث، وخاصة أن الحوثيين يعتبرون المهرجان الحاشد الذي دعا إليه في صنعاء حليفهم السابق علي عبد الله صالح محاولة انقلابية.
وعلى الرغم من إنكار صالح المتكرر، إلا أن الحوثيين يرون أنه تجاوز الخط الأحمر وكاد يشعل فتيل الحرب بين الطرفين. منذ ذلك الوقت لم يعد يسمع لصالح صوت، ويعتقد بأنه بات مهمشاً، ولكن لم يتبدد شعور الحوثيين بأنهم تعرضوا للغدر من قبله.
عُمان
حاول السعوديون استباق التمرد في صفوف الإصلاح من خلال منح انتباه أكبر لقيادة الإصلاح في الرياض، فقد التقى ولي العهد محمد بن سلمان مؤخراً بزعيم التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي.
وكان من نتائج ذلك انطلاق عاصفة من التعليقات الساخرة في وسائل الإعلام، حيث أن ولي العهد يعتبر الإخوان المسلمين في البلدان الأخرى جماعة إرهابية.
إضافة إلى ذلك، سمح السعوديون لنائب الرئيس هادي، اللواء علي محسن الأحمر، بالعودة إلى خطوط الجبهة بالقرب من العاصمة صنعاء غير عابئين باعتراضات أبو ظبي على ذلك. وذلك أن الفريق الأحمر يعتبر قريباً من القوى الإسلامية التي تصدرت المشهد في اليمن بعد الربيع العربي الذي انطلقت شرارته في عام 2011.
إلا أن قواعد الإصلاح داخل اليمن تعتبر هذه التحركات قليلة جداً وأنها أتت متأخرة جداً.
وكأنما التنافس بين القوى الخارجية في اليمن لا يعقد الوضع بما فيه الكفاية، فدخلت عُمان على الخط، إذ أنها تعتبر جنوب اليمن حديقتها الخلفية، وتشعر بقلق شديد إزاء استيلاء الإماراتيين على سلسلة من الموانئ والجزر الاستراتيجية. يصف دبلوماسي قطري ذلك الاستيلاء الإماراتي بأنه “امبراطورية الإماراتيين العائمة على الماء”. وهذا أيضا يزعج العمانيين أيما إزعاج.
العمانيون الآن يتواصلون مع زعماء القبائل في جنوب اليمن، وبعض هؤلاء يتبعون القوى الانفصالية، وذلك بهدف تنظيم “رد منسق” على المليشيات التي تمولها وتديرها إمارة أبو ظبي.
وبالمحصلة، ثبت أن أول مغامرة عسكرية يطلقها الأمير السعودي البالغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً بوصفه وزيراً للدفاع آلت إلى فشل ذريع من الناحية التكتيكية والاستراتيجية.
فهذا الأمير، الذي يشاد به في الدوائر الغربية على أنه مصلح شاب سيكون رأس الحربة في الحملة ضد إيران، لم ينجح إلا في توحيد اليمنيين ضده، وهو إنجاز نادر في عالم شديد الاستقطاب. لقد قام فعلاً بإطلاق النار على قدميه، ليس مرة واحدة، بل عديد المرات.
المصدر: عربي 21
جميع المقالات تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “الجورنال”