بقلم| أ. جمال فريد غانم
الرابطة القومية عبارة عن تعبير غريزي يجسد تمثيلا لجزء من غريزة النوع فهو ينتقي “سيادة فصيلة” أو ” بقاء عرق ” بشكل عنصري أو شوفيني وفي ذات الوقت يهمل غريزة التدين من حيث انه لا يملك جوابا قوميا لغريزة التدين ومعها يهمل غريزة البقاء لأن المطلوب من الفرد ان يضحي في سبيل سيادة القوم أو نجاة القوم أو العرق أو الجنس فهي رابطة منحطة لأنها لا تملك عقيدة كلية يمكن ان ينطلق منها البشر في سعيهم الى نهضة ورقي فهي تقوم على فكرة توحيد أصحاب القومية الواحدة بسبب الدم او الفصيلة فقط فهم قطيع مهمته المحافظة على نوعه او فصيلته أو عرقه, ولأنها ليست عقيدة كلية فبذلك لا يمكن ان ينتج عنها نظام يدير حياة الناس او ينظم شؤون حياتهم حيث انها ليست عقيدة فالعقيدة هي فكرة كلية عن الكون والانسان والحياة وعما قبل الحياة وعما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها لأنها بلا محتوى فكري مما يجعلها مضطرة ان تستورد.
اما النظام الاشتراكي او النظام الرأسمالي كمحتوى لتسير شؤون حياة القوم ولا يمكنها ان تتخذ نظام الإسلام كمحتوى لان الإسلام يرفض القومية فيجعل كل المؤمنين اخوة وهو يأمر المؤمنين ان تتكافأ دماؤهم وان يسعى بذمتهم ادناهم وانهم يد على من سواهم وانهم كالجسد الواحد وانهم كالبنيان يشد بعضه بعضا وان يسمعوا وان يطيعوا للأمير ولو تأمر عليهم عبد كأن رأسه زبيبة وهذا يتصادم مع مطالبتها بتمييز قومها عن غيرهم .
فلا يمكن ان تتشكل نهضة عند البشر اذا اعتمدوا فيما بينهم على الرابطة القومية لتشكيل نمط حياتهم الا اذا اتخذت الرأسمالية او الاشتراكية وهذا يقود اي مفكر لدراسة صلاحية الرأسمالية والاشتراكية للنهضة الصحيحة لانه لا محتوى قومي يحتاج الى بحث او تفنيد او تأييد فهي ليست اكثر من عاطفة او وعاء فارغ . فالرابطة القومية لا تحتوي على نظام اقتصادي ولا نظام قضائي ولا نظام اجتماعي ولا نظام عقوبات ولا نظام حكم الخ ولا تملك اجابة عما بعد الحياة الدنيا فضلا عن عدم امتلاكها قولا فصلا بشان ما قبل الحياة الدنيا . كما انها تخالف عقيدة المسلمين فالرابطة القومية غير ملتزمة بدين الاسلام مما يعني انه قد يكون ولاء القومي لغير الاسلام ولا يكون خالصا للاسلام .
ان كتاب (نظام الاسلام) لتقي الدين النبهاني قد أثبت ان الرأسمالية لا تستطيع تحقيق نهضة صحيحة . كذلك فشلت الاشتراكية عمليا في احداث نهضة فضلا عن انها ثبت عوارها فكريا عبر كتاب (نقض الاشتراكية الماركسية) تاليف “غانم عبده” وغيره ؛ وعند الانتهاء من اثبات بطلان الاشتراكية والرأسمالية تعود انت كمفكر لدراسة القومية فلا تجد فيها سوى شكل من اشكال العنصرية او العصبية التي قال عنها رسول الله دعوها فانها منتنة وقال من دعا الى عصبية فاعضوه. وكل عقل سوي يرفض فكرة ان لونه او شكل انفه او صفة عظامه يجعله ويجعل قومه افضل واحب اليه من غيرهم خاصة وانه يرى بين قومه افرادا منهم الكافر ومن المؤمن وفيهم الشريف وفيهم الوضيع .
الانسان السوي يدرك اننا كلنا ابناء تسعة اشهر وان ما يميز بين البشر هو الفكر او المفاهيم التي تسير السلوك . ان اكرمكم عند الله اتقاكم وانه لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى فلا يجد اي مسلم عاقل سببا شرعيا ولا عقليا لقبول فكرة تفوق عرق على آخر ولا تفوق لون من الوان البشر ، ولا يجد القارئ في التاريخ ما يثبت نبوغ جنس من البشر على غيرهم فقد تنقلت الحضارات في اهل الارض فمن اليونان الى الرومان الى الفرس الى اليابان الى المغول الى العرب الى بخارى الى سمرقند العثمانيين الى الجرمان الى الانجليز الى الفرنسيين وقبلهم الاغالبة الى الادارسة وبعدهم الامريكان والروس وهكذا لم يحتكرها عرق من البشر . فالقومية ليست عقيدة تحمل بذور نهضة لانها لا تنبت نظاما منبثقا عنها . لم ينتج عن القومية عمليا سوى فكرة التفوق العرقي ومحاولة استعباد اجناس اخرى من البشر وتسخيرهم لخدمة تلك القومية التي تفوقت في فترة زمنية معينة نتيجة ظروف تاريخية او جغرافية او بسبب ضعف الخصم او حسن تنظيم صفوفها او امتلاكها موارد تفوق الآخرين . تبقى مسألة الثواب وهي هامة للمسلم فان كان هذا القومي من ابناء المسلمين وجب تنبيهه ان كل تضحياته في سبيل قومه لا تنفعه يوم القيامة حيث ان الله لا يقبل عملا الا ما كان خالصا لوجه الله وهذا القومي قام يقاتل حمية فيكون ما عمل هباء منثورا اذ ان الاعمال بالنيات فهل يقوم بتضحياته طاعة لله ام حمية لقومه !
المسلم لا بد ان يعي انه لا بد من الامتثال لقول الله : ” قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا من المسلمين ” وبتدبر الآية يجد انه لا يستطيع ان يخلط الاسلام مع القومية ولا مع الاشتراكية ولا مع الراسمالية ولا مع الوطنية لانه آمن انه لله وانه راجع الى الله فكل حركة وكل سكنة وكل عمل ولو كان مثقال ذرة فهو اما خير واما شر فكل ما امر به الاسلام فهو خير وكل ما لم يكن من الاسلام فهو شر لان الاسلام كامل وتام فالخير هو الاسلام .
القومية لا تقول للانسان ما هي التصرفات التي نحبها في التعامل مع الأجير مثلا بينما يحدد الاسلام حقوق الاجير والقومية لا ترسم لك ما هي الشركات الشرعية بينما حدد الاسلام الشركات الحلال وشروطها واركانها والقومية لا تحدد احكام الاسرى بينما بين الاسلام كل القوانين المتعلقة بالاسرى والقومية لا جواب لديها عن عقوبة الزاني ولا السارق بينما اوضح الاسلام كل العقوبات المتعلقة بالزنا والسرقة وغيرهما . كل ما تقدم من بطلان الفكرة القومية يمكن ان يقال عن الوطنية مثل المصرية او التونسية او العراقية وعن الرابطة المصلحية مثل جامعة الدول العربية وعن الرابطة الروحية المفرغة من اي نظام منبثق عنها مثل النصرانية او البوذية الخ . فجميعهن لا يملكن طريقة لاحداث نهضة لاي فئة من البشر . والخلاصة لا عز في الدنيا وكرامة في الآخرة الا بالاسلام .