تسببت الإجراءات التي اتخذها النظام المصري للحيلولة دون ترشح شخصية ذات وزن شعبي؛ للانتخابات الرئاسية المقررة في آذار/ مارس القادم، بقيام الحركة الوطنية الديمقراطية التي تشكلت منذ شهرين من ثمانية أحزاب يسارية وليبرالية، بتوقيع بيان دعت فيه لمقاطعة الانتخابات، بل والدعوة لوقف الانتخابات، ووقف الهيئة الوطنية للانتخابات المشرفة على العملية الانتخابية، وعدم الاعتراف بما ينتج عنها.

وجاء التعقيب الغاضب للجنرال المصري على البيان؛ بتهديده بإمكانية الدعوة للجمهور للنزول للشارع لتفويضه مرة أخرى لاتخاذ موقف ضد هؤلاء الذين وصفهم بالأشرار، ليزيد من حرارة المشهد السياسي الذي ظل خاملا بالسنوات الماضية، رغم كثرة التجاوزات التي قام بها النظام تجاه الحريات العامة وتجاه المعارضين.

وردت الحركة الوطنية الديمقراطية بأن البلاد تدار بالدستور، وليس بالتفويضات وحشد المؤيدين في تجمعات سابقة التجهيز. ودخلت وزارة الداخلية على الخط؛ للإعلان عن ضبط مجموعة قالت إنها تنتمي للإخوان وتستهدف إفساد الانتخابات الرئاسية، في رسالة واضحة لأعضاء الحركة المدنية الديمقراطية، وهي الحركة التي شاركت الجنرال المصري بالهجوم على الإخوان وسكتت عن تجاوزاته، وكان من بين أعضائها من تولوا مهام رئيسية بالحملة الرئاسية للجنرال بانتخابات الرئاسة عام 2014. وهكذا دخلت البلاد في مناخ شديد التوتر والترقب انتظارا للإجراءات التي هدد بها الجنرال معارضيه.

 

حالة التجريف الشاملة للمناخ السياسي على مستوى الأحزاب والنقابات والجمعيات والمجتمع المدنى، تجعل المصريين يتعلقون بأي بادرة تحرك من أي تيار ضد النظام لإنقاذهم من بطشه

حركة بدون قواعد شعبية

ورغم أن كثيرا من المصريين لا يثقون ببعض قيادات الحركة المدنية الديمقراطية؛ الذين أيدوا الجنرال في إجراءاته الدموية ضد معارضيه من التيار الإسلامي، ويعتبرون بعضهم تابعين للأجهزة الأمنية، كما يعتبرون أن أحد قيادتها قام بدور الكومبارس في انتخابات عام 2014.. إلا أن حالة التجريف الشاملة للمناخ السياسي على مستوى الأحزاب والنقابات والجمعيات والمجتمع المدنى، تجعل المصريين يتعلقون بأي بادرة تحرك من أي تيار ضد النظام؛ لإنقاذهم من بطشه. وكما يقول المثل المصري الدارج، “أشبه بغريق يتعلق بقشاية”.

ومن ناحية أخرى، ومع إدراك المصريين أن الأحزاب التي كوّنت الحركة المدنية الديموقراطية، ليس لها قواعد شعبية وضئيلة العضوية وتغلغل الأمن في كوادرها، فإن قناعتهم بتسبب تلك الحركة في إغضاب الجنرال غير مكتملة، ومن هنا تدور التساؤلات عن السبب الحقيقى لهذا الغضب والتهديد.

فهل هو متعلق بشيء حدث داخل الجيش بعد إحتجاز الجنرال لرئيس الأركان الأسبق الفريق عنان، ودفعه الجيش لإصدار بيان عن تحويله للمحاكمة؟ أم هو متعلق بتغير بالموقف الغربي من إعادة تولي الجنرال لفترة أخرى، وأنه أصبح عبئا عليهم، مما دفعه لجلب كومبارس باليوم الأخير للترشح، لإضفاء نوع من المنافسة الشكلية على الانتخابات؟ أم يتعلق بعدم سماحه بوجود بارقة أمل لدى المصريين يمكن الالتفات حولها، حتى يظل اليأس من التغيير هو المهيمن على المشهد السياسي، خاصة أنه قد عدل عن استمراره في الاستجابة لمطالب صندوق النقد، بخفض الدعم عن المواصلات العامة قبل الانتخابات الرئاسية، حيث اتجه للتمهل بقرار رفع أسعار السكة الحديد الذي كان مقررا بنهاية الشهر الماضي؟

 

يأمل الكثيرين بوقوع الجنرال بفخ إعادة طلب التفويض من المصريين، لكشف ضعف جماهيريته بعد الغلاء الفاحش

إعادة التفويض وتعرية الجنرال

وقام بالإسراع بطرح دواجن بالمجمعات الاستهلاكية بخفض 40 في المئة من سعرها، ودفع صندوق تحيا مصر لتوزيع 2.1 مليون عبوة غذائية مجانية على المواطنين غير القادرين بالمحافظات، في تغير واضح لدور الصندوق منذ تأسيسه.

من ناحية أخرى، يأمل الكثيرون بوقوع الجنرال بفخ إعادة طلب التفويض من المصريين، لكشف ضعف جماهيريته بعد الغلاء الفاحش الذي يعانون منه، وتعريته أمام الدول الغربية.

لكن آخرين يرون أنه يستطيع من خلال التهديد والإغراءات؛ دفع رجال أعمال لإخراج عمالهم في مظاهرات سابقة التجهيز، وتمويل رجال أعمال جلب المواطنين البسطاء بمقابل مادي ووجبة لأداء المطلوب منهم.

 

الأسابيع القليلة القادمة؛ قد تغير حالة الركود والانصياع للسلطة التي خيمت على المشهد بالسنوات الأخيرة

كما يمكنه اللجوء لطلب التأييد من المسيحيين والمتقاعدين من العسكريين، وإنزال جنود الأمن المركزى بثياب مدنية، والدعم الإعلامى الذي يمكنه من التلاعب بأرقام المؤيدين وصور تظاهراتهم. بل يمكن أن يذهب النظام لأبعد من ذلك برأي البعض؛ بافتعال بعض الأحداث التي ينجم عنها خسائر بالممتلكات والأرواح، لإظهار أن هناك خطرا محدقا، واستغلال ذلك دعائيا بالدعوة للنزول حتى لا تتحول البلاد لسوريا أو يمن آخر.

وهكذا يزخر المشهد المصري باحتمالات كبيرة لوقوع أحداث هامة بالأسابيع القليلة القادمة؛ قد تغير حالة الركود والانصياع للسلطة التي خيمت على المشهد بالسنوات الأخيرة، سواء من خلال التصعيد من قبل الجنرال، أو من فصائل اليسار والليبراليين، أو من الجيش أو من القوى الغربية، أو من خلال المواطنين الذين يعانون وينتظرون مزيدا من المعاناة، بعد الانتخابات مع رفع أسعار الوقود والكهرباء والمواصلات، وخفض أعداد حاملي البطاقات التموينية.

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي جورنال