بقلم| محمد عبد العزيز

في واقع الأمر لا يوجد في تاريخ الأمم على الحقيقة “و ليس المظهر” ما يمكن تسميته بالثورة البيضاء أو الثورة السلمية، و أي ثورة لا يمكن أن تحقق أهدافها بدون قوة مادية سواء كانت قوة هجوم أو قوة دفاع أو قوة ردع. فكل الثورات التي لم ترق فيها الدماء و وصفت بأنها بيضاء لم تكن سوى استحقاقات لها خلفياتها من موازنات القوة الظاهرة أو الخفية لقوة الردع. و بدون التطرق لأمثلة محددة تدخلنا في متاهات اختلاف التحليل و تضارب الروايات التاريخية حول الثورات فإن ما أطلق عليها ثورات بيضاء لم يكن نجاحها في المقام الأول بسبب السلوك السلمي للثائرين و المتظاهرين، و إنما كانت بسبب تأثيرات و تدخلات مباشرة من قوى خارجية أو داخلية أجبرت الطرف الحاكم على التخلي عن السلطة تحت الضغط و التهديد و القدرة المؤكدة على الردع و تحقيق المطالب بالقوة في حال عدم استجابة الطرف الحاكم، الأمر الذي دفع بهؤلاء الحكام لتفضيل الهروب أو التخلي عن السلطة بعد أن أدرك تماماً استحالة بقاءه فيها و أيقن من قدرة الطرف الثائر أو من يدعمه و يقف وراءه على الفعل و الحسم. أما الثورات التي سالت فيها الدماء و طالت فترتها و تصاعدت فيها الأحداث فكان السبب الرئيسي لذلك هو اعتقاد الطرف الحاكم بعدم توفر قوة الهجوم أو الدفاع أو الردع لدى الثوار بالقدر الذي يمكن أن يجبره على التخلي عن الحكم سواء كان اعتقاده هذا مبني على حقائق، أو على أوهام. و أي ثورة تريد النجاح لابد أن تملك وسائل و أدوات القوة الكافية لإزاحة الحكم،

فالثورات التي نجحت بسرعة و بسلام و دون إراقة دماء كانت في الواقع أكثر الثورات امتلاكاً للقوة مما جعل الحكام ينحنون أمامها و يخضعون لمطالب الثوار بدون قتال، أما الثورات التي قرر الحكام مواجهتها و طالت مدتها و سالت فيها الدماء فكانت في الواقع أضعف قوة و أقل شأناً من التي حسمت سريعاً و بدون خسائر. إن فاتورة الثورة و مدتها تتناسب عكسياً مع مدى عنفوانها و قوة وسائل الردع التي تستخدمها فكلما تطور الفعل الثوري و قوة الردع كلما تقلصت خسائر الثوار و حققت الثورات أهدافها بشكل أكمل و أسرع. لذلك فالسلمية ليست خياراً ثورياً و لا تصلح إلا في حال امتلاك قوة الردع الكافية فيكون الثوار كالجيش القوي الذي يكفيه الظهور و الاستعراض أمام الخصوم لينسحبوا، فإن لم يقتنع أعداءه بقدرته على الحسم فليس أمامه إلا إثباتها بالقتال.

محمد عبد العزيز – 2014