بقلم| أمينة أمين

حدثكم تبون بلغة ماكرون بعد أيام معدودة من إسترجاع الجماجم، أجرى المعيّن عبد المجيد تبون الغير الشرعي لقاءاً صحفياً مع قناة فرانس24 الرسمية الناطقة بالفرنسية، وتم اللقاء بقصر الرئاسة بالمرادية وتحدث باللّغة الفرنسية بدون خجل أو إحترام للسيادة الوطنية التي لايؤمن بها ولايحترمها هو وجنرالاته.

كان بالإمكان إجراء اللقاء مع قناة فرانس24 الناطقة بالعربية أو إحضار مترجم كما تستدعيه البروتوكولات ، لكن الرسالة كانت واضحة ومقصودة، إذ بمجرد تسليم جماجم الشهداء برمج اللقاء بأيام قليلة عشية ذكرى عيد الإستقلال، التي أرادت فرنسا والجزائر معاً إرسال رسالة إلى الأصدقاء وأصحاب المصالح المشتركة كالصين وروسيا، بأن فرنسا هي صاحبة الدار والآمر الناهي ولايمكنها التفريط في المستعمرة القديمة التي تعد الرئة التي تتنفس بها فرنسا و الأرض التي تدرّ عليها بالمعادن النفيسة والطاقة البترولية والغازية والتي تقتطع لها المشاريع الكبرى في مختلف المجالات الاقتصاية و المالية. كان المعيّن تبون يبدو كالتلميذ أمام معلمه في جلسة دار حوارها عن الوضع الجزائري السياسي و الإقتصادي في ظل جائحة كورونا والعلاقات بدول الجوار، متمثلة في المغرب و ليبيا. و على غير العادة هذه المرة لم يبالغ في نرجسياً و “الأنا” والتعالي في ردوده. هل لأن المحاور صحفي فرنسي و عقدة (الخواجة) ؟!

أما فيما يتعلق بالجانب الإعلامي والتباهي بأن الجزائر البلد الوحيد عربياً وإفريقياً التي تمتلك 160 صحيفة ولا ننزعج منها, لكن هل من بين هذا الرقم الذي اعلنته توجد صحيفة واحدة حرة لها المصداقية في الإعلام والنقد لحكم الجنرالات ؟ هنا أنت عدت لنرجسيتك المعهود بحديثك عن 160 صحيفة لاتصلح إلا لمسح الزجاج.

تبون الغير شرعي بخرجته هذه أعطى صفعة للذين آمنوا بالجزائر الجديدة بعد الإنتخابات، التي شارك فيها ممن يطلق عليهم (بوصبع لزرق) من الحمقى و السذج الذين صدّقوا تبون والجنرالات عندما روّجوا لهم فكرة قطع دابر فرنسا وكل مايربط بها اقتصادياّ، ثقافيا، و لغوياً، بمعنى الإستغناء عن إستعمال اللّغة الفرنسية في الادارة الجزائرية و لايسمح للمسؤولين بالتحدث لوسائل الإعلام إلا بلغة الأم دون اللجوء إلى الفرنسية. وهذا الذي لم يحدث من قبل ولن يحدث أبداً مادام الجنرالات في سدة الحكم و ينوبون عن الإحتلال الفرنسي.

من يؤمن بأن لغة المحتل الفرنسي ستندثر من الجزائر، تحت حكم العملاء كمن يؤمن بمسليمة الكذاب أنه النبي الصادق. الملفت في الحوار الأسئلة التي لم يسبق طرحها في الأربع لقاءات السابقة التي جمعت عبد المجيد تبون مع الصحافة الجزائرية الغير جريئة كانت بخصوص المعتقلين وكون تبون كان مع العهدة الخامسة للمريض عبد العزيز بوتفليقة وعن إمكانية محاكمته، يقصد الرئيس المعزول، وما كانت ردوده إلا المراوغة الملغمة بالكذب. ولك أن تتخيل ردة فعل الصحفي عندما يطنب تبون في كيفية المراوغة و الكذب في الرد على بعض الأسئلة، وبأسلوب المندهش يصيح ممثل فرانس24″ (!! ah!! bon)” بمعنى هل هذا صحيح ؟! وبمعنى آخر أنا لا أصدقك.

وحول معتقلي الحراك، برر على أن العدالة حاكمت المعتقلين بسبب الشتيمة والتحريض على الفوضى، فقاطعه الصحفي الفرنسي كالمعاتب بقوله أن المنظمات الحقوقية الدولية تراها دوافع محاولة تضييق الخناق على الحراك. وزعزعه بسؤال آخر حول إمكانية لجوء الجزائر إلى الصندوق النقد الدولي، فتلعثم بين لا ونحن و..و..و ربما ..ولكن الصحفي جره ليرد على اننا نجري إتصالات مع IFM لأخذ بعين الإعتبار التوجيهات فيما يخص إقتصاد الجزائر.

ليتك قلت “ماعنديش رد على السؤال” كما تقوله للصحفيين الجزائريين الذين تحتقرهم. لوكنت رئيساّ شرعياً في دولة تحترم سيادتها وشعبها ماقاطع كلامك الصحفي عدة مرات وماقال لك شكرا على الدعوة التي تزامنت مع عيد الإستقلال وماقلت له مرحباً بك في أي وقت. أنت في نظرهم رئيس لمقاطعة فرنسية و صدق من سماك( الشاف دايرة ).

صحفي فرانس 24 كان يعي جيداً ماذا يقصد بكلامه والرسالة وصلت. تبون المزور الذي جاء به العسكر كان يٌنتظر منه أن يقطع دابر فرنسا، في حين أثنى كثيرا على الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون ووصفه “بالنزيه” و”النظيف” عندما يتحدث عن “الماضي الاستعماري”. وقال: “مع الرئيس ماكرون، نستطيع أن نذهب بعيدا في التهدئة وفي حل المشاكل المتعلقة بالذاكرة. ويسعى إلى تهدئة الوضع و يريد أن يخدم بلاده فرنسا”. أنتم لا تحكمون بل تعبثون ..! كان مفترضاً أن يلقي خطاباً بمناسبة ذكرى الإستقلال (الشكلي) لكن تفضيله، إجراء اللقاء الصحفي مع القناة التي تمثل نفس البلد المحتل، هو إهانة للجزائر والجزائريين والشهداء.

وللتذكير لمن لاذاكرة له أن 5 جويلية 1830، هو التاريخ الذي دخلت فيه فرنسا وأحتلت الجزائر وهو نفس تاريخ اليوم والشهر الذي أختير عن قصد لإعلان الإستقلال وخروج فرنسا عسكرياّ في 5 جويلية 1962, والإبقاء على جميع الإرتباطات الأخرى، حتى تبقى الذكرى لا معنى لها سوى معنى الإحتفال بالإحتلال. الجزائر الجديدة لا تبنى مع تبون ومن عيّنوه، بل بالدماء الجديدة للأحرار.