الحمد لله العزيز الجبار.. مكور النهار على الليل، ومكور الليل على النهار.. المنتقم من الظلمة والفُجار.. لا يغلبه غالب، ولا يحجبه حاجب.. كاشف البلوى، وسامع النجوى، وما يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين.
تبارك في جلاله ليس بغافل، ولا يشغله شاغل.. القوي المتين، الشهيد والشاهد وهو خير الشاهدين.. الذي وعد بنُصرة دعوة المظلومين في قوله الحق وله المُلك (وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين).. سبحانه ولا تُقال إلا له.. تبارك اسمه وتعالى جَدُّه ولا إله غيره.. سبحانه.

إحذروا يرعاكم الله من جُرم الظلم.. فإن عاقبته أليمة وخِيمة في الدنيا والآخرة، والظلم درجات في الدنيا، وظُلمات يوم القيامة، وطامته ظلم النفس للنفس، مصداقًا لقول رب العزة تبارك وتعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)، فلا تستهين أيها الظالم بعرق الأجير، ولا تعذب خادمك، ولا تنتقم من ضعيف فيدعو عليك وعين الله لم تنمِ، واعلم بأن في السماء قاضٍ فوق الدوام، لا يغفل ولا ينام.. شهوده منك عليك، وهو عالٍ لا يُعلى عليه.. فإذا ما رفع المظلوم الشكوى إليه.. فهو الموكل بها والقائم عليها، وحُكمه لا يُبت فيه ولا يُؤجل.

أيها المظلوم الذي لم يسمعه على الأرض مسؤول، وقضيته لم تُدرج في الرول، أو دُفِنت إكرامًا لصاحب منصب، أو انقلبت على عقبها، يا من ضاع حقه في بدنه وعرقه ، ويا من ضاعت أمانته أو سُرقت، ويا من إتهمَ بالباطل في جنبه أو عِرضِه، ويا من قضى نحبه تحت إرهاب ولم يمهله القدر أن يدعو على قاتله لا تحزن.. أبشر فإن قضيتك في المحكمة العليا التي ليس فيها سرك ولا درك، وليس عليها حراس ولا حاجب.. أبشر بقصاص من الله ذو البأس الشديد، والحكم آتٍ آتٍ لا ريب فيه، وغدًا يعُض من روعك وقتلك على يديه، ويقول بملء فِيهِ : “يا ليتني كنت ترابا”.

كفكفي أيتها العيون دموعك، ولتهدأ القلوب التي روعها الإرهاب، وآن للأجساد المتعبة، والأشواق المُلهبة أن تستريح فقد انفطرت السماء بالدعاء، واعلموا أن من فقدتم من أهليكم هم في كنف الله الذي ثبتهم على كلمة الحق، وهم في كنف الشهادة والله حسيبهم ونعم الوكيل.
هذا الإرهاب سيبطله الله بأمرٍ من عنده عاجلا غير آجل، وسيذيق الله من صَنَعَهُ ومن دَبَرَه جزاه.. كأسًا مما قدمت يداه، واعلموا علم اليقين إن الله لا يصلح عمل المفسدين.

سأروي لكم يرعاكم الله قصة واقعية حدثت بالفعل.. لشاب ظلم نفسه وتبختر في كبريائه وخيلائه، وظن أن الله غاب من سَمَائه ولم يراه:
في الخمسينات الميلادية، وبالتحديد في ساحة كلية الزراعة جامعة عين شمس، وقف أحد الطلبة، ممسكًا بساعته محدقًا نظره فيها، وهو يصرخ بأعلى صوته قائلاً: (إن كان الله موجودًا فليمتني إذاً بعد ساعة)!
وكان مشهدًا عجيبًا شهده جمهور من الطلاب والأساتذة، ومرت الدقائق عجلي، وحين أتممت الساعة دقائقها انتفض الطالب بزهو وتحدّ، وهو يقول لزملائه: (أرأيتم لو كان الله موجودًا لأماتني)!
وانصرف الطلاب، وفيهم من وسوس له الشيطان، وفيهم من قال: (إن الله أمهله لحكمة، وفيهم من هزّ رأسه وسخر منه)!
أما الشاب المذكور، فذهب إلى أهله مسرورا، وخرج يتمطى، وكأنه أثبت بدليل عقلي لم يسبقه إليه أحد أن الله – سبحانه – غير موجود، وأن الإنسان خلق هملاً، لا يعرف له ربًا وليس له معاد أو حساب!
ودخل منزله فإذا والدته قد أعدت مائدة الغذاء، وإذا والده قد أخذ مكانه على المائدة ينتظره، فهرع الولد مسرعًا إلى المغسلة، ووقف أمامها يغسل وجهه ويديه، ثم نشفهما بالمنديل، وبينما هو كذلك، إذ به يسقط على الأرض جثة هامدة لا حراك فيها !
نعم لقد سقط ميتًا، وأثبت الطبيب في تقريره، أن موتته كانت بسبب الماء الذي دخل في أذنه !
وفي ذلك قال الدكتور عبد الرازق نوفل – رحمه الله -: (أبىّ الله إلا أن يموت هذا الشاب كما يموت الحمار)!
والمعروف علميًا أن الحمار والحصان إذا دخل الماء في أذن أحدهما، مات من ساعته!
للعلم: هذه القصة نشرتها المجلة العربية عدد صفر 1413هجرية.

هكذا أيها المسلم المؤمن بالله.. الملتزم بدينه تكون نهاية الذين يؤذون الناس بغير ما اكتسبوا.. اللهم يا منتقم يا جبار جنبنا كيد الأشرار والفجار، والظلمة والحساد، والأضداد والأنداد.. اللهم إنّا نسألك ونحن الضعفاء ولا حول لنا ولا قوة إلا بك بأنك أنت الله القوي الشديد المحال.. أن تنصرنا على من ظلمنا وآذانا وعادانا، وأن تكفينا شر الفسقة، وأهل النفاق والرياء والشِقاق.. اللهم آمين يارب العالمين.