هذا الجيل آخر جيل يتمتع بما يطلق عليه الحرية …
شاع فى العالم ومع حقبة العولمة ثقافة شكلت مساحة رمادية أو ضبابية زحف إليها كثير من الشعوب فى العالم أملا فى المثالية والأفلاطونية وتحقيق المدينة الفاضلة على الأرض وشكلت الطوباوية مصفوفة من الشعارات ومنها الحرية والتى كانت كمراكب المهاجرين عبر المحيطات والبحار لشواطئ مجهولة طمعا فيما روجت له مصفوفة قيم العولمة والتى داعبت أحلام الضعفاء لتلك الحياة الرغدة ورفاهيتها والتى منحت ثلثى شعوب العالم راية يرفعونها وشعارات يرددونها وكأنها دين جديد بلا نبى ولا كتاب سماوى ولكل منهم الحق أن يختار نسخته ويكتب دينه حتى أنه منحهم حق الأنتساب لأكثر من دين فى اليوم الواحد أو الجلسة الواحدة ومسخ البشر وجعل من حقهم إرتداء أكثر من وجه

وساهمت كل الثقافات والفنون والمعاهدات واالتقنيات الحديثة والتكنولوجيا أدوات إتصال عابرة للحدود وحطمت كل الموانع حاملة تلك الشعارات وتبيع لهم تلك الآمانى والأحلام وكأن العالم كان فى حاجة ماسة لهذه الحقبة بكل ما وقع فيها خاصة بعد الحرب العالمية والتى كانت عملية غسيل ضمير لشعوب الأرض بعد أن سفك دم مائة وعشرين مليون نفس فى حقبة زمنية قصيرة جدا بدأ من منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر بقليل حتى شكلت الخمسة الكبار وانتقل العالم من مصفوفة عصبة الأمم إلى الأمم المتحده ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات المنبثقة منها كل هذا أصبح اليوم فى مهب الريح وبدأ بالفعل إعادة النظر بوصول أول شعبوى لسدة الحكم فى أقوى دولة فى العالم .

يمثل تعداد من يتمتع بالحرية فى العالم اليوم نخبة وناس عاديين ثلثى العالم وهم انصار حقبة العولمة والليبرالية الثقافية العولمة….
حتى لو لم تكن تتمتع بالحرية بقدر ما فستعرف بعد مضى عقد من الزمان أنك كنت حر ولو بقدر ما مقارنة بما ستقع فى قيده مستقبلا من السير فى إتجاه واحد وبكل مصفوفته ليس مهم أن يكون الإتجاه الصحيح أو المستقيم ولكنك حتما ستجد نفسك تتكلم وتفكر وتعمل وحتى تلهوا بما يفرض عليك أو ما تمليه الجموع الغفيرة من الناس أو ما ستفعله الرقابة التقنية عليك فى كل حركة وسكون ووتتجسس عليك حتى فى أخص خصوصياتك حتى علاقاتك الحميمة وسيستوى فى الخضوع لهذا الطفل الرضيع والشيخ الكبير الهرم والشباب من الجنسين ..
ولهؤلاء الشذاذ ومن يطلق عليهم المثليين سيسحب البساط من تحت أقدامهم وسيراجع العالم كل الاعترافات بحقوقهم وسيعاد النظر فى كل ما اكتسبوه من مراكز قانونية ترتب عليها وجودهم وربما ستنشأ لهم مصحات أو محارق أو مستعمرات عزل صحى للمجتمعات كمستعمرات الجزام ..

وفى غضون العقد القادم ستلوح مؤشرات هذا الكلام أو عقدين من الزمان على اكثر تقدير ستنجح الشعباوية الهوياتية الصهيوصليبية ومن عقر دارها بروما والفاتيكان بأن تستحوز على السلطات بأوربا وأمريكا وتنقلب على كافة التشريعات وتسن قوانين جديدة ومصفوفة قيم يتم على أساسها الولاء والبراء ومناهضة كل من هو مارق عليها فهى حركة الحركة الشعباوية مصطلحا والصهيوصليبية حقيقة والتى لها مصفوفة تصورات ونظريات عن الاقتصاد المحلى والدولى وستشرع فى تطبيقه وهى حركة أشبه بحركة الشيوعية السالفة والتى حكمت الاتحاد السوفيتى سبعين عام وظن الناس إنها ماتت أو إندحرت …
وعلى الضفة الأخرى من العالم ستناهض الصين تلك الحركة وترفع شعار العولمة والحرية وتتبنى كل قيم العولمة وحرية التجارة و لتحافظ على مكتسباتها وإلا ستواجه الهدم من الداخل بحكم الحمائية الاقتصادية والتى هى أهم خصائص الحركة الشعباوية الصهيوصليبية الجديدة لوقف زحف الصين على العالم ووراثة امريكا كاقوة مهيمنة ولكنها ستفشل مما تلجئ للحرب المسلحة لفرض نفوذها وبيع منتجاتها …

وعلى الضفة الثالثة وهى منطقة العالم الاسلامى سيجد نفسه يفتش عن كل النصوص والتراث والموروث ليعيد له مكانته وسيعيد الاعتبار لكل رموزه وكأنه سيخرج الموتى من قبورهم وعندها سيعلم الناس أنهم خدعوا لحين من الدهر وسيتندر الناس بما كان سائد ويسخرون منه وسترفع رايات الحرب والتى لن تضع أوزارها إلا بنزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حتى لو بلغ زمن الحرب ألف عام ..
وعندها فقط سيعلمون أن ما مات لم تكن الحرية ولا العولمة ولا الليبرالية ولكن كانت خدعة كبرى عاش الناس فيها قرن من الزمان تولى كبرها العالم بأكابر مجرميه ليعود العالم إلى فسطاطين وعقيدتين وهمج رعاع وسيعلموا أن من مات ليست الحرية ولكن من مات هى حرية الهروب من الثوابت والهويات والعقائد .

* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي الجورنال