عن أنس -رضي الله عنه- قال: أهدتْ بعض أزواج النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إليه طعامًا في قَصْعة، فضربتْ عائشةُ القصعة بيدِها فكسرتْها، وألقت ما فيها، فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلَّم-: «طعامٌ بطعامٍ، وإناءٌ بإناءٍ».

وقال الإمام ابن أبي زيد المالكي: «ومن استهلك عرَضًا أو أتلفه، فعليْه قيمتُه أو مثلُه في الموضعِ الذي استهْلكه فيه أو أتْلفه، سواءٌ كان عمدًا أم خطأً؛ إذ العمد والخطأ في أمْوال الناس سواءٌ، وسواء كان بالغًا أو غيرَ بالغٍ، وسواء باشرَ أو تسبَّب على المشْهور».

إذا كان هذا هو حكم الشرع في إتلاف مال أو ممتلكات الغير، سواء بقصد أو بدون قصد، فما بالكم بمن أتلف حياة الناس وأحلامهم زيادة على أموالهم وممتلكاتهم، «فالإتلاف مضمون على من أتلف» هي قاعدة شرعية وقد التزم بها الإخوان ضمنًا، عندما رأوا في أنفسهم الصلاحية في تحمل مسئولية الحكم، فعندما قرر الإخوان ان يتصدروا المشهد السياسي، وأن يدخلوا سباق الرئاسة بعد ثورة يناير، كانوا يعلمون جيدًا أكثر من الجميع أي عرين يدخلون، وأن الحرب ستكون شرسة، والحكم لم يكن ولن يكون نزهة.

وعندما أعطاهم الناس أصواتهم واختاروهم؛ فأصبحوا هم أمام الجميع مسئولين عن حماية تلك الأرواح، وما يملكون من أحلام قامت من أجلها الثورة هذا أولًا، وثانيًا حماية أموالهم وأعراضهم، وهذا ما فشل فيه الإخوان، ونعم هم أكثر من دفع ثمن هذا الخطأ، ولكن ليسوا وحدهم، فجميعنا دفعنا، وما زلنا ندفع، ثمن تلك الأخطاء.

كثيرون وأنا منهم عندما كان الجميع يجلد الإخوان بسياط المسئولية عما وصلنا له، وأن عليهم أن يفعلوا شيئًا لإخراجنا مما نحن فيه، كانت جملتي أن الإخوان هم جزء من الشعب وليس كله، فليتحرك باقي الشعب واتركوا الإخوان يلملموا أشلاءهم ويداووا جرحهم من تلك الضربات القاسمة ليستردوا عافيتهم ليستطيعوا أن يعودوا إلى قيادة المشهد واستكمال مسئوليتهم فنحن بالنهاية بقارب واحد.

ولكن اتضح لي بعد سنوات خمس من الانقلاب أني أخطأت في إعطاء العذر لهم، فيبدو أن هذا العذر قد أعجبهم؛ فالسنوات تمر والإخوان في صمتهم يلذون، متناسين أنهم هم من يحمل الجزء الأكبر مما وصلنا إليه من تردٍ، وأنهم بقصد أو دون قصد تسببوا بنجاح الثورة المضادة ووصول الانقلاب لما وصل إليه من جبروت وقوة، سواء أكان ذلك بتقصيرهم بجمع المعلومات وقت توليهم الحكم، أو بالتقصير في تحليل المعطيات، أو بعدم عرض الأمر بشفافية على الشعب ليعرف ما يدبر له في الخفاء، فيخرج لحماية ثورته كما حدث بتركيا، أو بعدم استغلالهم لكل ما أتيح لهم من إمكانيات، سواء من تلبية الناس دعوتهم للنزول والاعتصام احتجاجًا على الانقلاب، أو عجزهم عن توجيه الحشود التي خرجت لعدة أشهر ثائرة غاضبة من المجازر التي حدثت، سواء المنصة ورابعة والنهضة ورمسيس وغيرهم.

نعم يجب أن نعترف ونواجههم ونواجه بعضنا بعضًا بأخطائنا حتى نستطيع إصلاحها، لكي نخرج من ذاك الجب الذي ألقينا فيه.

خمس سنوات مرت، وكل ما نراه ونسمعه خطب رنانة بلا أفعال، أو تقريع واتهام بالتخوين لكل من ينطق بحرف عن التخاذل، وأن المقاومة الحقيقية التي تؤدي إلى ثورة يجب أن تكون على الأرض، وليست على الفضائيات ولا صفحات التواصل الاجتماعي، أو بالأماني والأدعية.

لذا إن كنا حقًّا نريد أن نستعيد ما سلب منا، ونسترجع ثورتنا فلا بد أن يتوقف صنفان عن الحديث:

– الأول:

المتشبهون بنصارى عيسى الذين لا يتركون مجالًا إلا وأطروا الإخوان فيه كما أطرت النصارى ابن مريم، ولم يبق عليهم غير أن يؤلهوهم، ولكي يبعدوهم عن أي إدانة ليس عندهم غير مقولة «لا يعجبكم الإخوان أسقطوهم من حساباتكم، وأرونا ما تفعلون».

لا يا سادة الإخوان هم من أدخلونا هذا النفق بقيادتهم التي لم تكن حكيمة، والتي افتقدت أهم مبادئ الحكم في الإسلام، وهي الشورى فهم ظلوا ببرجهم العاجي لا يسمعون غير أنفسهم، لم يستمعوا إلى نصائح من هم خارج جماعتهم، ويبقى حازم صلاح أبو إسماعيل وكلامه حُجة عليهم تدينهم.

– الثاني:

الجلادون الذين لم يتركوا دنية إلا وألصقوها بالإخوان، ويريدون إقصاءهم من المشهد السياسي في حال القيام بثورة تطيح الانقلاب.

لا يا سادة فلا ثورة بدون الإخوان، فهم حجر الزاوية الذي ستقوم عليها الثورة، وهذا لقدرتهم على الحشد وإدارة المشهد على الأرض، هذا غير أنهم جزء من الشعب أخطأ نعم، ولكن جمعينا أخطأ، ولن تقوم ثورة على ظلم.

فالإخوان كما بهم مرسي والبلتاجي وغيرهم الذين تحملوا تبعات أخطاء جماعتهم، فصمدوا رغم التنكيل، ولم يسلموا رغم الاعتقال والموت البطيء، فهناك مكتب لندن الذي يعرض بكل مناسبة بيع القضية تحت مسميات مختلفة، ولن أستبعد أن أجد يومًا خبرًا بأن إخوان لندن باعوا إخوان مصر وتصالحوا مع الانقلابين، وربما كان المسمى إنقاذ الوطن.

هذه هي الصورة باختصار، التي أوصلتني أنا وغيري إلى فقدان الثقة بالإخوان، ولكن لمعت في الفترة الأخيرة بارقة أمل لربما إن صدقت، لأنير الطريق من جديد، وهذا عندما ظهر صوت يعلو من الإخوان، يطالب مكتب لندن بالتنحي جانبًا، وإفساح المجال للشباب لقيادة المشهد، بعد أن منحت السنوات الماضية القيادات الحالية كل الفرص لإدارة الشارع، إلا أن الأفكار العقيمة كانت المسيطرة تحت ستار السلمية المفرطة.

فقد نافس مكتب لندن العسكر في فكرهم، فكما يروج العسكر إما هم وإما الفوضى، يروج مكتب لندن إما السلمية المفرطة وإما حمل السلاح، هكذا يفكر كبار السن عادة، متناسين أن هناك ما يسمى الفكر المبدع للمقاومة، وهذا ما يملكه الشباب بجانب استخدام التكنولوجيا.

إن تمرد من يسمون إخوان الداخل «شباب الإخوان» على سياسة مكتب لندن الخاطئة وقيادته، وخروجهم ببيان، عن وضع استراتيجية جديدة معلنين تحملهم المسئولية في تصحيح المسار الثوري، هذا كلام يعطي بارقة أمل فهذه هي المرة الأولى التي أسمع من الإخوان أحدًا يتحدث عن استراتيجية.

لذا أعيد على الإخوان حديث الرسول، فإذا كان، طعام بطعام وقصعة بقصعة، فهي ثورة بثورة، وحرية بحرية.