بقلم| محمد عبد العزيز

بداية لابد أن نعرف مَن هو المسيخ الدجال على الصفة و على التحديد.؟ أولاً : هو على الصفة إنسان شيطان، و هو في الشر و الغواية نظير إبليس من البشر بل أنه في الدرجة أشد خطراً من إبليس لكن فترة إفساده محدودة، فالمسيخ الدجال رجل من بني آدم، لكنه شيطان القلب و القصد و الفعل، و قد تحصل على قبس من علم غيبي خطير و قدرات عظيمة و قوى خارقة لا يصمد لها عموم البشر جماعات و أفراد إلا في جانب الإيمان حيث يثبت الله الذين آمنوا و صدقوا و أخلصوا.

ثانياً : المسيخ الدجال على الأرجح تحديداً هو ” السامري” و أرى أنه الخبر الأصوب حتى هذه اللحظة، و الذي عاصر النبي موسى عليه الصلاة و السلام و فَتَنَ بني إسرائيل في عهده. و خلاصة قصة السامري من القرآن الكريم أنه في أثناء غياب النبي موسى للقاء ربه سبحانه و تعالى أربعين ليلة، كان عدداً من أتباع النبي موسى عليه السلام لديهم حلياً ذهبية قد استعاروها من جيرانهم من أهل مصر قبل هروبهم منها و أرادو أ يتخلصوا منها باعتبارها حرام لا حق لهم فيه، فجمعوها ليتخلصوا منها، { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ } طه (87). و كان السامري رجل قد كُشف لبصره شيء من الحُجُب فكان يرى الملاك العظيم روح القدس جبريل، و سواء كان يراه حين يأتي للنبي موسى، أو ما ورد في الرواية التي تقول أن أم السامري ولدته في وسط الصحراء وحدها و ماتت و تعهده جبريل حتى كبر، فالفائدة أن السامري كان يمكنه رؤية الملاك العظيم روح القدس جبريل عليه السلام و هذا واضح في الآية الكريمة على لسان السامري { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }..طه..(96). فالمُتحدث في هذه الآية هو السامري، و الرسول الذي يتحدث عنه السامري هو رسول السماء، روح القدس و أمين الوحي و مُعَلِم جميع المرسلين جبريل عليه السلام، و ما أدراك ما جبريل.؟!!! يقول تعالى عن وصف خلق عموم الملائكة ” أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع ” أما جبريل فقد أثبت الحديث النبوي الشريف الصحيح أن الله اختص جبريل بستمائة جناح، و إذا كان علماء الفلك المعاصرين يحدثوننا أن الوصول لأبعد مجرة تمكنوا من رصدها في الكون حتى الآن يحتاج لسفر مدة مليار و ثلاثمائة مليون سنة بسرعة الضوء و التي تحتاج لطاقة ليست في مقدورنا أصلاً، فإن هذا الملاك الكريم كان ينزل بالوحي من فوق سبع سماوات و يصل إلى الأرض في التو و اللحظة.!!!،

فنوع طاقة و قوة هذا الملاك العظيم الجبارة يصعب تصورها، و يكفي وصف إله السماوات و الأرض لهذا المخلوق الجبار في القرآن بعبارة { شَدِيدُ الْقُوَى} ، و { ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } ، و { ذُو مِرَّةٍ } أي ذي قوة عظيمة و بطش شديد و خَلق عظيم، و هنا مربط الفرس فقد رأى السامري من آثار هذه الطاقة العظيمة التي يمكنها إحياء الميت و فعل المعجزات بقدرة رب الأرض و السماوات، فتجاوز السامري قَدره و طاقته البشرية و تجرأ على ما ليس له مسه، و طمع في استغلال تلك الطاقة، و بالفعل أخذ من أثر الرسول جبريل و ألقاه على الذهب الذي جمعه القوم ليتخلصوا منه، فتحول الذهب عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، فقال السامري لهم هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ، فعبدوا العجل من دون الله.!!! و قد كان هذا العجل من دم و لحم أو شيء يشبههما، و ليس صنماً من ذهب، و يؤكد هذا قيام النبي موسى بحرقه و ذر رماده في البحر، فالذهب لا يحترق و إنما يسيل ثم يتجمد مجدداً في كتلة حينما يبرد. { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًالَنُحرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا }.. طه (95-97)

عرفنا أن السامري حصل على سر و قدرة و طاقة غيبية جبارة، و لكن ما لذي يرجح أن السامري هو المسيخ الدجال.؟؟؟

يؤكد هذه الفرضية عدة أمور.. أولاً ما الذي يجعل موسى ابن عمران النبي القوي الذي وكز رجلاً من آل فرعون بقبضته فمات من فوره، و مع موسى عصاه الخارقة التي يحقق الله له بها المعجزات، و هو رسول قائد مطاع في قومه، فكيف بهذا النبي أن يأمر بقتل أتباع السامري، و يحرق العجل ثم يترك السامري “أصل الفتنة”، يذهب حياً و يقول له { فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ }، و يتوعده بموعد في صيغة النكرة، بقوله { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ }.!!!

مؤكد أن موسى ابن عمران مُنِعَ مِن قتل السامري، ربما بسبب القوة و الطاقة التي حاذها من أثر الرسول فحصن بها نفسه، وكذلك فمن المستقيم شرعاً أن موسى قد جائه وحي من الله أن يرجئ السامري و يتركه لوعد الله في المستقبل حيث يسخره الله في فتنة يميز الله بها الخبيث من الطيب في أهل آخر الزمان، فلم يصلنا أن موسى حاول قتل السامري أصلاً كما أن الأنبياء الرسل لا يتركون مجرماً استحق حداً إلا بوحي و أمر من الله فيه يقين و برهان. و على هذا ذهب السامري و اختار لنفسه مكاناً خفياً أوتم اقتياده إليه قسراً بقوة الله و قد حبسه الله و قيده بقدرته سبحانه ليكفي الناس شره حتى يرسله الله حين يشاء فتنة على جيل قد استحق هذه الفتنة ممن فشا فيهم من المعصية و الكفر و الشرور مالم يجتمع فيمن قبلهم. هذا ولازال للحديث بقية كثيرة إن أحياني الله و إياكم، و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم.

……….. محمد عبد العزيز ……….. 21/2/2020