بقلم| محمد عبد العزيز

لكي تحمي النظم الفاسدة نفسها من الثورة الشعبية العامة فإنها كلما أرادت ارتكاب جريمة تبدأ بتمهيد الطريق و إعداد الرأي العام لتقبل الجريمة و هذا الإجراء ألف باء السياسة الإعلامية لجميع النظم الإجرامية عندما يخططون لتنفيذ جرائمهم الكبرى.. و هو أسلوب قديم استخدمه فرعون موسى عندما أراد أن يقوم بمذبحة كبرى لشعب بني إسرائيل و زعيمهم النبي موسى عليه السلام، فبدأ بجس النبض و تمهيد الرأي العام ” وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ” غافر (26)

عندما أراد عبد الناصر الفتك بالإخوان المسلمين بدأ بعمل بعض التفجيرات لإشعار الناس بالخطر و دبر تمثيلية محاولة اغتياله و خاطب الشعب في خطابات مدروسة لرسم صورة متخلفة رجعية مقيتة للإخوان المسلمين في مقابل صورة الفارس المنقذ و الزعيم الملهم القائد البطل التي رسمها لنفسه. بعدها قام بالمذابح دون أن يثور عليه الشعب أو يحاسبه أحد، بل أنه وجد من يصفقون له، نفس الطريقة استخدمها في تبرير و تمرير كل هزائمه و جرائمه السياسية و الاقتصادية.

في عهد السادات لما اختلف الإسلاميين مع أجندته السياسية شوههم في الإعلام و شارك بنفسه في حملة التسفيه، حتى انحدر إلى مستوى التشويه الرخيص في خطابه الرسمي بأن تحدث عن الشيخ فلان الذي ظل يتلاعب بفتاة كلما جائها خطيب أمرها ألا توافق ثم أخذها هو لنفسه و تزوجها.!!! و بعد حملة التشويه تم اعتقال خصوم السادات من الإسلاميين دون أي اعتراض أو تحرك شعبي لأجلهم.

لقد لعب إعلام السادات أيضاً بالشعب المصري، عندما توافقت أجندته مع القيام بحرب محدودة ألهب إعلامه الشعب بالفداء و البطولة و فكرة الرئيس المؤمن البطل، و لما تعدت نتائج حرب أكتوبر الحدود المسموح بها أصدر أوامره المشهورة بتطوير الهجوم و عدم ضرب الثغرة و ضيع 80% من نصر أكتوبر. ليبقى في الحدود التي تناسب أجندته. بعدها إحتاج السادات لتبريد الشعب و الشحن بروح جديدة تجاه إسرائيل من أجل التطبيع و تمرير اتفاقية كامب ديفيد حسب الخطة فجرد الإعلام الشعب من ثياب الأسود و كساه مجدداً فراء الخرفان، و مرت جريمة كامب ديفيد بسلام، كما مرت معظم قرارت السادات و جرائمه السياسية و الاقتصادية و على رأسها قرار الانفتاح الاقتصادي و بنفس الأسلوب..

في عهد مبارك و نطراً لكثرة جرائمه تم استنفار الإعلام بشكل مستمر لهذا الدور من التمهيد و لجأوا لإضافة الترويج الإعلامي لكل جريمة سياسية أو اقتصادية أو تشريعية يقوم بها مبارك بنفسه أو أحد أفراد عصابته و تمكن الإعلام من تحويل المؤامرات و الجرائم الكبرى التي خطط لها النظام إلى مطلب شعبي تنتظره الجماهير و الطريقة بسيطة جداً:

1- عدد من اللقاءات المكثفة مع أصحاب البدل و العمائم و المناصب العلمية و السياسية الموالين للنظام و طرح فكرة الجريمة بكثافة على أنها شيء إيجابي و تعديد مزاياها.

2- عمل لقاءات مع بعض عناصر المخابرات و الكومبارس في صورة مواطنين مصريين عاديين يعربون عن مدى تشوقهم للقرار أو الإجراء الجريمة و يطالبون الحكومة بتنفيذها. 3- عمل لقاءات ميدانية مع الجهال و المقلدين و تصويرهم و هم يرددون ما لقنه لهم الإعلام في الأيام الماضية و استبعاد أي لقاء تصادف مع شخص واع ينقد و يخالف التوجه المطلوب.

4- تستجيب الحكومة لرغبة الشعب و تقوم بنهبه و سرقته و تبديد مقدراته و إهانة كرامته و تنفيذ الجرائم المطلوبة بحقه.!!!

لنأخذ مثالاً واحداً من جرائم نظام مبارك الكبرى، “بيع القطاع العام”: فقد استبق الإعلام هذه الجريمة بوقت طويل يتحدث عن عبء القطاع العام و فساده و مشاكله و خسائره، و قالوا فيه ما قال مالك في الخمر و لما استنكر بعض العقلاء من خارج اللعبة و بينوا خطورة التفريط في القطاع العام، تم التحايل بطرح فكرة الاقتصار على بيع بعض الشركات الخاسرة، و بعد أن أقروا مبدأ البيع، استغفلوا الجميع و باعو القطاع العام كاملاً لأنفسهم بكل شركاته الرابحة بعشر الثمن، و ربع العشر أحياناً، في أكبر عملية نصب و نهب رسمية يشهدها التاريخ، و مرت كل جرائم نظام مبارك بنفس الأسلوب.!!!

لا أحتاج أن أعيد لكم قصة الثورة و تفاصيل الوقائع و الأحداث فلا زال الإعلام المخابراتي المصري يلعب نفس الدور القذر في جميع الأحداث حتى مرت جريمة الانقلاب على الرئيس الشرعي و مذبحة رابعة و النهضة و بيع النيل و التفريط في حدود مصر و ثرواتها الطبيعية، و فيض الجرائم الغنية عن الشرح و التعريف. قبل يومين و بينما الكل مستغرق في التهكم على عبارة السيسي ” أنا لو ينفع اتباع اتباع”، أرسل لي أحد الإخوة على الخاص ملحوظته الواعية على مقولة السيسي في خطابه الأخير ” هقولكم جملة صعبة أنا لو ينفع اتباع اتباع ” فقد انتبه الأخ الحصيف أن عبارة السيسي لم تكن عبثاً و أن السيسي يدشن بهذه العبارة مسرحية التمهيد الإعلامي لفكرة بيع ما يمكن بيعه بهدف بيع ممتلكات مصر، و هذا الذي حذرت منه من فترة طويلة، و قد قطع الانقلابيون فيه بالفعل شوطاً كبيراً فقد باعوا كل ما يمكن بيعه سراً و بقي تمرير البيع الكبير الذي لا بد أن يكون علنياً و هذا الموضوع يحتاج لمقال مستقل..

باختصار شديد الخلاصة أننا نحتاج للتأمل الواعي لكل ما يصدر إعلامياً عن الانقلابيين و على رأسهم العميل السيسي و تحليله بعيداً عن روح السخرية البلهاء التي انتابت الكثير من الكتاب و الناشرين من مؤيدي الشرعية، و أدخلتنا في دائرة الانكماش بينما الانقلاب “باق و مستمر و يتمدد”، فمن أراد أن يعرف بالتحديد ما هي جرائم الانقلاب القادمة فليتابع الأفكار و الإشارات التي يؤكد عليها إعلامهم و يُصرِّح بها رموزهم و على رأسهم العميل السيسي.