بقلم| محمد عبد العزيز


يطلق لفظ ” المِيرِي ” على نمط الحياة العسكرية و تطلق صفة ” المِيرِي ” على من ينتسبون لها، فمصطلح ” المِيرِي ” مصطلح فضفاض، يعبر عن القوانين و الأعراف و الأساليب و الأنظمة التي تحكم حركة و تصرفات عناصر الجيش المصري و تحدد الصلاحيات و طريقة التعامل و طبيعة العلاقة بين عناصره المختلفة من الضباط و الجنود.
لن تجد مطبوعة توضح ماهية ” المِيرِي ” الذي يصبغ كل شيء في الجيش المصري و يلصق به كل الأعراف و الأفعال و التكليفات الضرورية و الغير ضرورية، المنطقية و الغير منطقية داخل وحدات الجيش المصري، و إذا تم تجنيدك بالجيش فلن تتسلم مذكرة أو تدرس كتاباً اسمه الميري، فقط ستسمع توجيهات و أوامر محددة و إذا سألت عن ماهيتها و أسبابها ستسمع عبارة ” هوا ده الميري و الميري كده ” ، ستسمع أيضاً عبارات مثل ” المِيرِي صعب “، اللي اخترع الميري ما استحملوش “، ستجد الجميع يشتكون من الميري و يلتزمون به و يطبقونه مهما بدت أوامره غبية أو تافهة.!!!
تحت قبضة ” المِيرِي ” طوعاً أو كرهاً لابد أن تتحول لكائن شبه آلي بكل ما للكلمة من معنى، تنفذ الأوامر ولا تعترض، فلا مجال لنقاش أو تفاهم، ولا لرأي أو وجهة نظر، إلا ما سمح به القائد و أَمَر، فيكون التعبير عن وجهة النظر ” تنفيذا لأوامره ” و بالرأي الذي سبق و أن صدَّره، فالتجربة هنا تثبت أن ” المِيرِي ” عندما يتيح للفرد فرصة للتعبير فلن تكون سوى فخ كبير، لاكتشاف الذين تجرأوا على التفكير، في أي أمر يخالف منظومة القهر المقدسة.!
في الجيش المصري أيا كانت رتبتك، سيحدد لك ” المِيرِي ” أين و متى تتواجد و كيف تمشي و ماذا ترتدي، متى تبدأ الأكل و متى ينقضى، كيف و متى تنام أو تصحو، و كيف تَجِد و كيف تلهو، كيف تتكلم و كيف تتظلم و ماذا يجب أن تجهل أو تتعلم، سيحدد لك ” المِيرِي ” متى تدخل السجن و متى تزور أسرتك، و كيف تمدح و كيف تشتم و كيف و متى و أين تقضي حاجتك.!!!
السيد ” المِيرِي ” هنا بمثابة إله حاكم و طاغوت غاشم، قد قسم العبودية، وفق أصول مرعية، بطريقة هرمية تسلسلية، فلكل عبد عبيده، و لكل سيد سيده، كلٌ بحسب مكانته و رتبته، فكل رتبة في هذا الكيان تتحكم في الرتب التي تحتها، فيفعلون ما يؤمرون ولا يملكون عصيانها، ثم تتجه بكل وجدانها خشوعاً و طاعة إلى أسيادها من الرتب التي فوقها.
السيد ” المِيرِي ” كائن فظ، غليظ القلب، لا يقصد العدل، ولا يقدر الكد، ولا يحترم الحد، ولا يعرف الرحمة، فهو ضامن لعقاب مَن أخطأ و من لم يخطيء، لكنه نادراً ما يكافيء مَن يحسن، مبدأه ” الحسنة تَخُصْ و السيئة تَعُمْ ” ، المَرَض هنا لا يُعفِيك مِن التكليف و رأي قائد الوحدة أهم من رأي الطبيب الحصيف فالقائد نائب الإله ” المِيرِي ” و هو الذي يقرر لعبيده مَنْ المريض و مَنْ الصحيح، مَنْ يَشْقَى و مَنْ يستريح، ما هو الصواب و ما هو الخطأ، و ما هو الجميل و ما هو القبيح، فالسيد ” المِيرِي ” كائن أحمق أخرق، فهو لا يُنَمِّي المواهب ولا يراعي الاختلافات، لا يدعم القدرات ولا يستغل الطاقات، ولا يوزع المهام بناءً على الملكات و القدرات، كل ما يهمه أن يَأمُر نائبه فيُطاع و لو كان لُكَع ابن لُكَع
السيد ” المِيرِي ” كائن جِعجَاع سَيمنحك شعارات بلا حقيقة، و بطولات بلا أمارة، سيكلفك مهام بلا وظيفة، و يمنحك ألقاب بلا أفعال.
الجميع يدورون في حلقات ” المِيرِي ” المفرغة لا يجرؤ مجترئ أن يناوئه فالكل يتعايشون مع مساوئه و يعتادون على قبائحه، فالسيد ” المِيرِي ” سخي على مَنْ يصبر و يصمد و يطيع و يسير ضمن القطيع، فقد منح لكل عبد مجموعة أكبر من العبيد في مقابل عبوديته، فمن يطيعهم العبد أقل عدداً ممن يطيعونه، و من يحكمهم أكثر ممن يحكمونه، و كلما ارتفعت رتبته زاد عبيده و تقلصت مساحة عبوديته، و سيستمر الأمر على هذا و سيظل العبد يرى في هذا الوضع صفقة رابحة، و فرص قادمة سانحة، إلا الجنود المجندين، فهم عبيد ليس لهم عابد، و غارمون ليس بينهم رابح.
لا أحد في الجيش المصري يعرف مَنْ هو مخترع ” المِيرِي ” و مَنْ أوجده و مَنْ الذي وضع إطاره و حدده، مَنْ الذي فرضه و ما مقصده.؟، فالتفكير هنا معصية، و مخالفة ” المِيرِي ” جريمة عقوباتها قاسية، و الاعتراض على أسفار ” المِيرِي ” كفر و تجديف يضمك للفئة الباغية، فالقاعدة هنا أن تُسأل ولا تَسأل، تُأْمَرُ فَتُطِيع، تُنفِّذ ولا تَتَمهَّل.
………….. محمد عبد العزيز