بقلم| محمد عبد العزيز


بين عبد مُكَرَّم و عبد مهان، بين عبد مرفه و عبد شقي، بين عبودية الفكر و عبودية الكد، بين عبودية الطوع و عبودية القهر، تتنوع طبقات و درجات العبودية لكن يبقى الجميع عبيداً داخل منظومة الجيش المصري، فكل رتبة مستعبدة بدرجة ما لرتبة فوقها، و كل قيادة فوقها قيادة تتحكم بها إلى درجة اللعب.
قد يبدو هذا تسلساً قيادياً بديهياً، و نمطاً إدارياً طبيعياً، فما الفارق بين هذا التسلسل الإداري في الجيش المصري و أي مؤسسة أخرى.؟
يكمن الفارق الجوهري في العمل تحت التهديد و التسلط و الجبر و الإكراه على الطاعة العمياء مع الجهل بالعائد و غموض الأهداف، فكل فرد في هذا الجيش هو مجرد قطعة شطرنج تملكها القيادة الأعلى، تحركها و تضحي بها أينما و كيفما تشاء، دون إدراك لأبعاد اللعبة أو إمكانية للتنصل أو الاعتراض، فالصلاحيات و التكاليف غير عادلة و العقوبات و الجزاءات غالباً ما تخضع للأهواء و هي مبالغ فيها لدرجة فاحشة، و التعليمات و الأوامر استبدادية للدرجة التي تمنح لكل قيادة التحكم بقيمة و حياة و مصير من هم دونها، إضافة إلى جو التجسس و انتهاك الخصوصية و التسلط على الفكر و المعتقد حيث فروض القيادة مقدمة على فروض الخالق.
أما السخرة فتكاد أن تكون حكراً على المجندين في نظام التجنيد الإجباري حيث يمتهن المجند و يستعبد تحت التهديد و يتم تكليفه بأسوأ و أخطر و أصعب و أشق و المهام بدون مقابل حقيقي، بل أن الكثير من الجنود يتم ابتزازهم و التربح منهم بشكل غير رسمي من قبل قيادتاهم.
فكل شاب يحمل الجنسية المصرية مطالب تحت تهديد القانون بقضاء فترة تجنيد إجباري ” تختلف حسب مؤهله “، و إلا تم تجريمه و مطاردته و منعه من العمل و الكسب، ولا ينجو من هذا المصير سوى حالات استثنائية محدودة حددها القانون الغاشم أو استثنتها الواسطة و المحسوبية.

مشروعية التجنيد الإجباري.

حقيقة لا يملك التجنيد الإجباري أية مشروعية حتى لو كان بمقابل مجزئ، ففي الشريعة الإسلامية لا يجوز إكراه الفرد على القتال ولا احتراف الجندية، فالتطوع للقتال أو الانضمام للجيوش لابد أن يكون طوعاً و بإرادة حرة كاملة و إدراك و وعي كامل لنوع و طبيعة و مشروعية و أبعاد المعركة التي سيشارك فيها الفرد المقاتل، و من هو العدو الذي سيواجهه و أين و كيف و لماذا.؟، و كلها شروط مفقودة في حالة التجنيد الإجباري في مصر.
كذلك ففي أبسط بديهيات القواعد العقلية المنطقية، لا يمكنك الاعتماد في الحرب على المُكْرَه، فلن يضحي أحد بحياته من أجل مهمة تم إكراهه على التصدر لها، باستثناء حالات نادرة من الغباء و الجهل التي تجدي معها أساليب الاحتيال و الخداع.

الهدف الخفي من التجنيد الإجباري
الحقيقة التي جربناها بأنفسنا و جربها الجميع تقريباً و لمسناها عملياً أن الهدف الأسمى للتجنيد الإجباري في مصر أبعد كثيراً من فكرة التدريب على الجندية أو الاستعداد للحرب، فالهدف الحقيقي الذى أدركناه متأخراً هو تدجين رجال مصر أولاً بأول، شاباً شاباً و فرداً فرداً و تدريبه في مقتبل عمره على الانضباط بالخضوع و الطاعة العمياء لهذا الطاغوت المؤسسي المسمى بالجيش المصري، فيمضي بقية عمره على هذه الصفة..
فالجيش المصري عملياً لا يكاد يحتاج أكثر من 5% من الأعداد التي يفرض عليها التجنيد الإجباري، ولا يقوم بتدريب نحو 95% من المجندين على شيء له قيمة عسكرية ذات شأن أو قيمة حقيقية خلال فترة تجنيدهم، فمعظم ما يقوم به المجندون هو إنتاج اللاشيء، حيث يتم تكليفهم معظم الوقت بأعمال شاقة لا قيمة لها ولا هدف، مثل خدمات الحراسة الوهمية على مالا يحتاج أصلاً للحراسة و حفر الحُفَر و إعادة ردمها، ثم حفرها و ردمها مرة أخرى، و إنهاكهم في أعمال يومية يمكن للمعدات المتوفرة إنجازها في دقائق، وغيرها الكثير من الأمور التي لا طائل من ورائها سوى استهلاك الجهد و الوقت.

و تبقى المحصلة الحقيقية أن كل ما يتدرب عليه معظم المجندين فعلياً هو الخضوع و الطاعة العمياء و التقشف و الحرمان و الاحتيال و التعود على ” المرمطة ” فقط لا غير، فالشاب المصري محكوم عليه مقدماً من هذه المؤسسة العسكرية أن يضيع من عمره ما بين سنة إلى ثلاث سنوات ” حسب مؤهله “، ليتعلم فيها حصرياً الخضوع و الطاعة العمياء و التقشف و الحرمان و تقديس و تبجيل مؤسسة ” الجيش المصري “.!!!