حكايتي مع الأدمان بدأت تقريبا في سن خمس سنين ، و بدأت من البيت .. وعيت علي الدنيا لقيت أبويا و أمي بيتعاطوا … ، بيتنا مكانش أستثناء ، أبداً .. المخدرات كانت منتشره في كل حته بشكل طبيعي جداً و الناس كلها بتتعاطي في بيوتها ، و في الشوارع و في أماكن العمل …
المجتمع كله بلا أستثناء بيتعاطي بشكل هستيري يوميا ، و مفيش حد بيحاول يوقف الكارثه دي أو حتي يسأل ليه الظاهره دي موجوده عندنا و في الدول المتخلفه فقط و مش موجوده مطلقاً في الدول المتقدمه .

في المدرسه كانو بيوزعوا علينا المخدرات كل يوم الصبح في الطابور الصباحي … فاكر كويس أول صنف ضربته … كان أسمه أغاني أكتوبر .. “خلي السلاح صاحي ” و “رايحين شايلين في ايدنا سلاح ” … دماغ عاليه جداً … تحس لما بتضرب الأغنيتين من دوول أنك برنس العالم و أنك ممكن تكسر الكون كله بأسرائيلو بأمريكتو بروسيتو كمان لو جالك مزاج ، .. أنا عشت علي الصنف ده سنين … بكل انواعه “حلوة بلادي السمره ورده ” ، “احلي البلاد يا بلادي شاديه ” ، “ابني حبيبي يا نور عيني شريفه فاضل” ، “عاش اللي قال للرجال عدوا القنال عبد الحليم ” … الصنف دة كان فعلاً صنف نضيف قوي لكن تاثيره كان بدأ يضعف من كتر التكرار ..
فبدأت أدور علي حاجه تانيه … و أكتشفت صنف قديم لكن ممتاز اسمه ” أغاني الحقبه الناصريه ” … إيه العظمه دي يا برنس ؟! الناس في الوقت ده كانت بتشتغل بمزاج … عبد الحليم و كمال الطويل و جاهين و الابنودي و علي اسماعيل، بليغ حمدي و غيرهم … معلمين كبار يا باشا اتجمعوا و طلعوا تشكيله من أنضف الأصناف … مسيبتس حاجه من انتاج المعلمين دوول مضربتهاش … إية الكلام ده يا معلم !! … كلام بيفصلك تماماً عن الواقع و يعيشك في عالم خيالي من القوه و العظمه و الآمال اللامحدوده و المستقبل العظيم !!

لكن “الصبيان” اللي أستلموا تجارة الصنف بعد مرحلة أغاني أكتوبر … مفكروش يجددوا في البضاعه أعتمدوا علي ان الناس خلاص مسطولة بالفعل و محدش هيركز في الكلام … لدرجة أن أغنيه غنتها فايده كامل في الخمسينات لنظام عبد الناصر بتقول ” فات لكتير يا بلدنا مبقاش الا القليل ” ثم أعيد أنتاجها تاني في السبعينات لنظام السادات … تصور يا مواطن أنهم شايفين أنك مسطول لدرجة أنهم يغنوهالك تاني سنة ٢٠١٤ ،… فات الكتير ، و مبقاش الا القليل ؟!! … بعد ٦٠ سنه لسه بيقولولك .. فات الكتير مبقاش الا القليل ؟؟!! ، كأن الزمن واقف مبيتحركش ، أو كأننا مساطيل مش حاسيين بالزمن !!!!
جدي مات و هو مستني القليل ده يخلص
وأبويا مات و هو مستني القليل ده يخلص
و لسه في مغفل عاوزني أنا كمان أقعد أستني القليل ده يخلص !!!!

أنا عشت سنين أتعاطي … عيني كانت بتدمع مع كل أغنيه و في نفس الوقت عقلي كان بيتجمد و يعجز عن التفكير في أجابه لأي سؤال عن الفقر و الجهل و المرض و الديكتاتوريه و سوء الاداره و الفساد و تحديد مين المسؤول عن كل ده …. أنا ضيعت كتيير قوي من عمري بسمع الأغاني دي و في النهايه فهمت أنها مخدرات بيروجها الضابط اللي ورا كل مصايب البلد من أول عبد الناصر الجعجاع الكذاب الي السيسي السفاح مروراً بكل أجيال عصابة العسكر لتجارة المخدرات .
Ehab Hefnawy