في المقتطف الذي نشرته شبكة “سي بي إس نيوز” على موقعها من حوارها مع عسكري الانقلاب في مصر، قال إنه لا يعرف من أين جاءت هيومن رايتس ووتش برقم 60 ألفاً من المعتقلين؟ وأكد “أن ما يعرفه هو أن هناك أقلية حاولت فرض رأيها المتطرف على الناس وأنهم يتصدون لهذه الأقلية مهما كان عددها”. 

ودعك من فكرة أن هناك مرشحاً من بين من سماهم أقلية، انتظر ما يزيد على الثلاثة عشر مليوناً، عدة ساعات أمام اللجان ليختاروه رئيساً، ودعك من أن أحدا لم يطلب منه أن يتصدى لتلك الأقلية (كما يسميها) وأنه هو شخصياً كان يقف ليؤدي اليمين والتحية العسكرية لذلك الرئيس، وأنه في مناسبة أخرى وقف ليتحدث للقنوات عن اجتماع السيد الرئيس (كما سماه هو شخصياً) بالمجلس العسكري، وأنه سيكون من الصعب عليه تكرار ما قاله عن الأقلية التي ادعى أنها أرادت فرض رأيها على الشعب، إذا ما ذكره أحدهم بما كان يقوله منذ خمس سنوات وهو يقف بجانب الرئيس مرسي، عن (السيد الرئيس الذي استمع بتفهم)!! 


لكن ما علاقة كل هذا بجمعة مشهور؟ كيف حاول جمعة مشهور الذي تُركَ بدون ملابس كافية ليموت من البرد في سجن الفيوم منذ أيام، أن يفرض رأيه المتطرف على الناس؟ كيف حاول ذلك القروي الذي لم يعرف أحد اسمه إلا قبل بداية 2019 حين انتشر خبر وفاته داخل السجن، أن يفرض رأيه (المتطرف)؟ ما هي الخطورة الرهيبة الكامنة في ذلك الرجل الريفي ظاهر الطيبة، الذي يظهر جالساً على كرسي في منزل ما ليُسجن، ثم ليُحرم من الملابس المناسبة للشتاء داخل سجنه ليموت؟ 

ماذا لو وقعت وفاة جمعة قبل إجراء الحوار وعرض مذيع “سي بي إس نيوز” صورة جمعة على السيسي وسأله هل سمع باسمه وهل سمع بالطريقة التي مات بها في سجن الفيوم، وهل هذه هي الطريقة التي يقتلون بها من يدعون أنهم يحاولون فرض رأيهم على الناس؟

لا نعرف في الحقيقة شيئاً عن تفاصيل وفاة جمعة، لكن الطريقة نفسها تعيد إلى الأذهان تلك الطرق الوحشية التي كانت تتبعها محاكم التفتيش. رجل يُعتقل ثم يُترك ليموت برداً وآخر يعتقلونه ثم يتركونه بلا دواء رغم سوء حالته الصحية، وهذا وذاك متهمان عند السيسي وانقلابه بأنهما من بين أقلية تسعى لفرض رأيها المتطرف (كما يسميه) على الناس. إن حادثة موت جمعة مشهور وغيره ممن ماتوا بطرق مماثلة، كان من الممكن أن تطيح بحكومات في أي دولة. 

وما نعرفه عن جمعة وعشرات الآلاف غيره هو أنهم رفضوا انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس الذي انتخبوه. بل إن هناك سيدات مثل السيدة سامية شنن يقبعن في سجون العسكر دون تهمة سوى أنهن تظاهرن رفضا للانقلاب العسكري. لا نعرف عن جمعة وإخوته ممن يتهمهم الانقلابي السيسي بمحاولة فرض الرأي، أنهم قاموا بانقلاب نزلوا فيه إلى الشوارع بالدبابات. ولا نعرف أنهم أطلقوا النار من طائرات الهليكوبتر على المتظاهرين في رمسيس أو رابعة أو النهضة ولم يحرقوا خيام المعتصمين ولم يأمروا القناصة بإطلاق النار على الفتيات أو أنهم أحرقوا مسجد رابعة. لم يقف جمعة ليلقي بيان انقلاب عسكري سبقه غلق القنوات.

الانقلابات العسكرية في حقيقتها هي أعنف وسائل فرض الرأي بالقوة، وكل ما فعله جمعة وغيره من مناهضي الانقلاب هو أنهم رفضوا أن يُفرَض عليهم رأي ما بالقوة.