ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها العالم الى وباء عالمي, فقد تعرض من قبل إلى العديد من الأوبئة و الفيروسات و تم التعامل معها بدون هذا الضجيج الإعلامي المحسوب. و بغض النظر عن موضوع التناول الإعلامي للفيروس و الذي تناولته في مقال سابق لي فإن ما يتعجب له البعض هو تعامل الدول الكبرى مع هذا الوباء الذي كشف عن فقر البنية التحتية الصحية في دول مثل ايطاليا و بريطانيا و فرنسا و امريكا.

هذه الدول تعد كبرى دول العالم و ينظر لها المواطن العربي على أنها دول السيادة و القيادة فهي الدول التي احتلت يوما معظم دويلات الشرق الأوسط بعد سقوط آخر دولة إسلامية و بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الدولة الإسلامية إلى عدة دويلات متناحرة فيما بينها.

فهل دول مثل امريكا و بريطانيا و فرنسا و المانيا و ايطاليا و أضف اليهم كندا التي تأثرت بفيروس كورونا هي الأخرى بهذا الضعف و الهوان؟ هل مثل هذه الدول بكل الإمكانيات الطبية المزعومة و التقدم العلمي الذي أبهر العالم من خلال أبحاث ناسا و مراكز البحث التي تتفاخر بها و غيرها من صناعات تتباهى بها فشلت حقا في أول اختبار حقيقي يواجة البنية الصحية في أنظمتهم؟

نعم لقد فشلت هذه الدول في التصدي لتفشي وباء كورونا و كشفت كورونا قصور تلك الأنظمة كما كشفت ضعف و هوان البنية التحتية الصحية فلا يوجد استعدادات كافية في هذه الدول للتعامل مع الأوبئة. و قد اعترف ترامب اليوم في مؤتمره الصحفي و رداً على سؤال أحد الصحفيين بأن ما يحدث في امريكا نتيجة ضعف البنية التحتية الصحية نتيجة إهمال الحكومات التي سبقته. 

و لكنه العذر الأقبح من الذنب نفسه.

كيف لدولة مثل امريكا التي تحكم العالم أن تكون في مثل هذا المستوى المتدني في المجال الصحي بينما تنفق تريليونات الدولارات على صناعة الأسلحة و ملايين الدولارات على تطوير الأسلحة البيولوجية

و إذا كانت امريكا تنفق ملايين الدولارات على الأسلحة البيولوجية كيف لم تتنبه الى إمكانية ان يتم محاربتها بيولوجيا مثلا ما حدث من قبل مع الانثراكس ( الجمرة الخبيثة) أو أن يصيبها وباء عالمي مثل فيروس كورونا. 

و بعيدا عن الحرب البيولوجية التي لا يؤمن بها البعض كيف لهذه الدول الكبرى أن لا تستعد لمواجهة هذه الأوبئة خاصة و انه هذه ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها وباء خطير يقضي على حياة الملايين مثل كورونا.

فقد ذكرت في مقال سابق لي تاريخ الحروب البيولوجية و أيضا ذكرت الأرقام المروعة التي خلفتها نوبات فيروسية مشابهة لكورونا مثل الأنفلونزا الإسبانية و التي أصابت 500 مليون شخص على مستوى العالم و راح ضحيتها 50 مليون, و لا ننس أيضا انفلونزا هونغ كونغ و التي استمرت لمدة عامين 1968 إلى 1970, و راح ضحيتها في امريكا فقط 100 ألف و مليون شخص حول العالم

معنى هذا ان الأوبئة يمكن أن تجتاح العالم و الدول الكبرى ليست بمنأى عن الأصابة و امريكا نفسها مات فيها العام الماضي فقط و من جراء مرض الأنفلونزا الموسمية العادية مايزيد عن 51 ألف أمريكي, بمعنى ان ضعف البنية التحتية كما أشار ترامب ليس مفاجأة و ليست حجة أيضا لدولة تعتبر نفسها أقوى دولة في العالم عسكريا و اقتصاديا و في صناعة الأسلحة و تأمر الحكام و الرؤساء في العالم العربي فتطاع ثم تجدها عاجزة عن توفير الفحوصات السريعة و تجهيز المعازل الطبية و توفير عدد كاف من الأسرة في المستشفيات في بداية الأزمة قبل أن يستعين ترامب بالحرس الوطني لبناء المعازل الطبية خارج المستشفيات و الإستعانة بشركات صناعة السيارات لتوفير أسرة كافية للمستشفيات.

فهل كشفت كورونا عورة امريكا؟ 

نعم. ترامب الذي ظهر اليوم يقول للشعب الامريكي انه يعاني من ضعف البنية التحتية الطبية بسبب أن الحكومات التي سبقته لم تولي هذا القطاع الرعاية اللازمة هو نفسه ترامب الذي طالب في موازنة هذا العام بزيادة ميزانية البنتاجون لثماني أضعاف ما تحصل عليه وزارة الصحة و التي وصلت الى رقم قياسي هذا العام و هو ما يكشف عورة ترامب و هو ان هذا النقص الرهيب في المعدات الطبية التي أشار اليها ترامب في المؤتمر الصحفي اليوم كان بسبب سياسة امريكا الإستعمارية والتي تعطي الحرب و الصناعات العسكرية الأولوية الأولى ولا يهم صحة البشر ليس في العالم فقط بل في امريكا أيضا. 

و ليست امريكا و الدول الأوروبية فحسب من اكتشفوا ضعف البنية الصحية في بلادهم و اكتشفوا ان وباء مثل كورونا يمكن أن يؤدي الى شلل تام في الحياة سواء على المستوى الاقتصادي أو الإجتماعي أو السياسي 

ففي دراسة إسرائيلية نشرها موقع عربي 21، بالأمس أشارت الى أن “أزمة كورونا التي أضرت بأمن إسرائيل، قرعت في الوقت ذاته أجراس الخطر في إسرائيل أمام فرضية تعرضها لحرب وهجوم بأسلحة بيولوجية” مما كشفته كورونا من نظام صحي مهترئ غير مستعد للأوبئة لبلد يصرف المليارات في صناعة الاسلحة و في الحروب 

أما في دولنا العربية فحدث ولا حرج!

ففيروس كورونا كان هو الكاشفة التي كشفت لنا أنظمة العالم و أيضا دويلات الشرق الأوسط و على رأسها مصر التي يفضل رئيس الانقلاب العسكري فيها بناء القصور على بناء المستشفيات ناهيك عن تحكم المخابرات العسكرية في الإعلام بالكامل فلا تجد شفافية في نقل المعلومات اللازمة للمصريين

نظام يفضل بناء السجون و المعتقلات التي يسكنها خيرة شباب هذا البلد على تطوير الأبنية الصحية و توفير ما يلزم الشعب من مرافق أساسية مثل المستشفيات التي شهدنا مآسي تحدث فيها قبل كورونا فما بالك و اجتياح فيروس مثل كورونا!

و سواء كان فيروس كورونا تم تصنيعه في المختبرات الأمريكية و تم نقله إلى الصين أو العكس ستظل جائحة كورونا هي كاشفة النظام العالمي المهترئ ليعلن للعالم كله بدء نظام عالمي جديد!

و ستظل أثر الأزمة الإقتصادية العالمية و انهيار البورصات العالمية لسنوات قادمة الأمر الذي قد يؤدي الى ظهور تكتلات اقتصادية عالمية لم تكن متوقعة أو ظهور عملة عالمية بديلة عن الدولار و باقي العملات الأخرى ناهيك عن سقوط الإتحاد الأوروبي الذي سقط في أول اختبار له مع تفشي المرض في ايطاليا و فرنسا و باقي دول الإتحاد.