مجموعة من الأطباء في مستشفى أمريكي يهرولون والعرق يتصبب على جباههم

موسيقى متوترة تعلو في خلفية المشهد

وممرضون يدفعون نقالة وعليها البرادعي، وهو يشهق كما في الأفلام العربية

تصل النقالة إلى غرفة العمليات، وطبيب يسحب طرفي جهاز الإنعاش القلبي بالصدمات الكهربائية ويلصقه بصدر البرادعي محاولا إعادة الحركة للقلب هاتفا! Clear كما في أفلام الأكشن الأمريكية بالضبط.

يضع الطبيب الجهاز من جديد على صدر البرادعي هاتفا هذه المرة (توييييييت)

على حساب البرادعي تظهر تغريدة عن شهداء رابعة!

صدر البرادعي يقفز قفزة خفيفة لأعلى، وهو يستمر في الشهيق تماما كبوسي في فيلم حبيبي دائما.

الطبيب أمريكي المظهر القادم من عشرات الأفلام الأمريكية يكرر العملية أكثر من مرة ويعلو صوته تويييييت!

تخفت الموسيقى المتوترة في خلفية المشهد، وتتعالى بدلا منها أصوات ضحكات ساخرة.
المشهد المتوتر والموسيقى المتشنجة الممزوجة بلمحة من الشجن، والتي حاول بها المخرج إضفاء لمحة من السمو الروحاني على المشهد، يتحولان بسرعة إلى مشهد كوميدي يثير قهقهات المتفرجين في مقاعدهم.

بعض المتفرجين يدخلون في هيستريا ضحك ويقعون على الأرض محاولين لملمة حبات الفشار المتساقطة.

ضحكات بنغمات متفاوتة تتعالى من قاعة السينما التي يعرض الفيلم على شاشتها.

بعض الموظفين يقفون مرتدين البدل السوداء والطراطير المزركشة، أمام الشاشة محاولين احتواء حالة هيستريا الضحك التي أصابت القاعة المكتظة، وإضفاء لمحة من الجدية على المشهد.
حفنة من المتفرجين في القاعة ينظرون إلى كل ما يحدث بغضب مصدرين همهمات غير مفهومة تستطيع تمييز بعضها.

“انتو ليه بتكرهوا البرادعي”

الضحكات تتعالى مع كل محاولة لإنعاش الجثة على الشاشة وتتحول إلى قهقهات وحشية ساخرة.

المتفرجون يعاقبون البرادعي القافز من سفينة الانقلاب على طريقتهم.

بعض المتفرجين الأذكياء يدركون أن توقيت عرض المشهد ليس بريئا.

فتلميع البرادعي ليس هدفا في حد ذاته، فمن يقفون خلف الكواليس يحركون المشهد لا يسعون فقط إلى إعادة تدوير البرادعي، بل هي محاولات تهدف ضمن ما تهدف لجس النبض الشعبي، وقياس الرأي العام حول تيار العلمانية الذي يتكون من عدة أفراد معدودين لا ظهير لهم في الشارع.

التيار الذي مات ودفن في عدة استحقاقات انتخابية خاضتها الثورة وتوجت بانتخاب الرئيس مرسي، تيار يدرك تماما أنه غير قادر على المنافسة إلا بزوال خصمه، وهم الإخوان المسلمون الذين كانوا منذ تأسيسهم، الجماعة التي حملت الهوية الإسلامية الحقيقية لمصر في مواجهة الهوية المصطنعة التي حاول العسكر ضخها قسرا في المجتمع.

منذ شهور كتبت هنا مقالا بعنوان الطرطور المحتمل وشرحت فيه وجهة نظري فيما يحدث، وأن أحد السيناريوهات التي لا أملك عليها سوى مشاهدات، هو قيام طرف دولي ما باستخدام العسكر للصدام العنيف مع التيار الإسلامي، وفي المقدمة الإخوان المسلمون لتدمير هياكل الجماعة، وترك ماكينات العسكر لتعمل بعد تغذيتها بدعايات، لا يخفى على العاملين في حقل الإعلام أنها صنعت بأيدي صهيونية، بحيث يتم القضاء على الهيكل الفاعل للإخوان المسلمين، وإخلاء الساحة بعدها لطرطور ما (والكثيرون ينتظرون في الطابور) ترضى عنه واشنطن.

وظيفة البرادعي (الذي يعلم من خلفه أنه كارت محروق تماما) أن يتلقى ضربات الرأي العام لتمرير طراطير أخرى تمثل الاتجاه العلماني ذاته.

من يحرك المشهد ويصر بثبات عجيب على أن يطل البرادعي الذي قام بالتعاقد أخيرا مع شركة خدمات إنترنت بعد صمت طويل، يعلم تماما أن المعسكر الرافض للانقلاب يدرك أن البرادعي مسؤول سياسيا وجنائيا عن عدة مذابح (المنصة – الحرس الجمهوري – القائد إبراهيم) بحكم موافقته على وظيفة نائب الطرطور، وأنه مدان شعبيا بجريمة الخيانة العظمى، وباعترافه هو شخصيا حين قال أنه اتفق مع برناردينو ليون على شكل ما سماه خارطة الطريق، واعترافاته التي انسكبت من لسانه في السابق عن جولاته في أوربا لإقناع الحكومات الغربية بإسقاط الرئيس مرسي.

من يحرك المشهد ليس أحمقا كما يظن البعض، بل المطلوب أن يكون البرادعي كاسحة الجليد التي تفتح الطريق أمام الطرطور المحتمل.

الهدف هو امتصاص غضب الرأي العام على جرائم العلمانية ممثلة في شخص البرادعي (المدان بالطبع) ليصبح الرأي العام أكثر هدوءا، وتصبح ردود أفعاله أكثر رخاوة في مواجهة أي محاولات للدفع بأي طرطور ترضى عنه السفارة الأمريكية.

مشكلة هذا التخطيط هو أن قيادة العملية السياسية من بعد الانقلاب انتقلت من شاشات الاستوديوهات إلى الشوارع، وازدادت الثورة وعيا على مستوى القواعد الثورية، والتي لن تقبل لسوء حظ ذلك التيار المضحك إلا بعودة الرئيس مرسي بكامل صلاحياته، ولن تقبل بأي طرطور.

 

تاريخ النشر: 11-9-2015