كان النعاس ما يزال يثقل جفني رع أبو قتب حين أيقظه أبوه بطريقة تنم عن الخطورة 
استيقظ يا رع الفرعون يحشد الجيش الآن و(ميسر) كلها تنادي ابناءها .. بشعر منكوش نظر رع إلى أبيه وحك رأسه قائلاً ,, (فرعون مين دلوقت يا عم الحاج .. أريد أن انام)

ازداد أبوه تحوت اصراراً هذه المرة ,,

اسيتقظ يا رع, الأمر عاجل والجيش يخرج بعد قليل يطارد تلك الشرذمة القليلة .. انه الارهاب الأسود يا ولدي كما تعلم. استيقظ هذه المرة بائساً مغتاظاً لكنها الأوامر.

خرج إلى الشارع الواسع فوجد زملاءه من المجندين الغلابة وموظفي فرعون يعدون الجنود بطريقة تبدو عليها العصبية. الاعصاب كانت مشدودة, فالجيش يخرج الآن.

كان فرعون قد ارسل في المدائن حاشرين, فتحولت المدن المصرية إلى خلايا نحل والمجندون الغلابة يجتمعون من كل حدب وصوب.

تفقد رع أبو قتب ببصره زملاءه ثم سأل عن تحوت, فقالوا له أنه فر إلى الحقول ولم يستطيعوا العثور عليه .. كان يعرف موقف تحوت جيداً فتحوت هو ابن عمه, كان تحوت على العكس من رع يرى أن فرعون معتدِ وأن بني اسرائيل ظُلموا بما فيه الكفاية وأن الخراب حل على مصر بسبب عناد فرعون.

كثيراً ما تشاجرا, كان رع يدعم (جيش بلده) وكثيرا ما وصف تحوت بأنه ارهابي يدعم أعداء جيشه.

في قرارة نفسه لم يكن يعتقد أنه على حق وكان يرى الكثير من الرجاحة فيما يقوله تحوت ولكنه كان يردد في نهاية النقاش أنه عسكري غلبان وانه لا يملك من أمر نفسه شيئاً وأنه لا يستطيع التمرد على التجنيد الاجباري والا لن يجد عملاً في مصر كلها.

كانت لحظة خروج بني اسرائيل هي لحظة الاختبار الحقيقي ,, لم يكن رع متحمساً للاستيقاظ ومطاردة بني اسرائيل في الليل وكان حانقاً بشدة ويسب فرعون بأبيه وأمه في سره طبعاً, لكنه اقنع نفسه بأن المهمة ستكون سهلة, سيلحقون بهذه الشرذمة القليلين ويقتلونهم ثم يعودون لديارهم وينعمون باجازة طويلة وربما كافئهم الفرعون.

كان الفرعون الآن على رأس الجيش وكانت الجنود الغلابة قد وصلوا من جميع المدن وصاروا جيشاً كبيراً ما زاد في ثقتهم بأنفسهم.

أسر بعض المجندين كانوا رافضين أن يُحشر ابناءهم في صراع الفرعون ولكنهم كانوا قلة وفي النهاية لم يكن امامهم الا الرضوخ ,, نقاش هذا الأمور قد ينتهي بهم إلى الصلب فوق جذوع النخل, من ناحية أخرى اقنعوا أنفسهم, ان الجيش لو تفكك كما يدعو بعض المغرضين من أعداء الدولة, فسيعني هذا ان يحتل مصر أعداءها, فآثروا السلامة واخسروا ذلك الصوت المتصاعد من ركن ما عقولهم وتركوا أولادهم يذهبون ممنين أنفسهم أنهم سرعان ما يعودوا كما عادوا من قبل, فكثيراً ما كانوا يذبحون أبناء بني اسرائيل ويستحيون نساءهم وكانوا يعودون.

كان جيش الفرعون يستأنف سيره والافكار تنهش رع, لماذا يطاردون هؤلاء ؟

هؤلاء لم يطلبوا سوى الخروج من مصر وممارسة دينهم, هم فقط لا يعترفون بفرعون رباً أعلى !

لا يؤمنون بهذا ,, لماذا يجب عليهم أن يؤمنوا بهذا أصلاً .. بعض العقل تسرب إلى نفسه لكنه سرعان ما قال لنفسه أنه عسكري غلبان ينفذ الأوامر ولا شأن له بأي شيء ولا احد يستطيع أن يلومه .. هو في النهاية مجند في جيش بلده وهو ينفذ الاوامر, في ركن ما من نفسه تعالى ذلك الصوت الخبيث مبتسماً .. سيقتلهم ويعود للراحة فهو لم ينم كما يجب.
زجر تلك الأفكار بسرعة .. هو عسكري غلبان ينفذ الأوامر .. لا ينبغي له أن يستهين بأرواح من يقتلهم .. هو لا يستهين بها ولا يستعظمها .. هو ينفذ الأوامر .. يجب ان تكون هذه عقيدته ويجب أن يكون هذا حديثه مع نفسه .. لا يجب أن يظهر مجرماً ولو للحظة أمام نفسه .. هذه الأفكار تعني أن يحتقر نفسه واحتقار نفسه قد يؤدي للتمرد على نفسه والتمرد على نفسه قد يؤدي للتمرد على الأوامر والتمرد على الأوامر قد يعني أن ينتقل من الجانب الذي يقف فيه جيش الفرعون إلى الجانب الذي يقف فيه بنو اسرائيل.

قال لنفسه, فلتذهب صحوة الضمير إلى قاع الجحيم .. عسكري غلبان ينفذ الأوامر هو سبب كافِ وبدون فلسفات ولا يحزنون, هو يقتل بالأمر ولا علاقة للقتل هنا بقناعاته وفي النهاية هذا الجيش لو تفكك فسوف يحتل الأعداء مصر.

ما ان انتهى من نسج تلك المنظومة الدفاعية الفكرية في عقله حتى بدت أمامهم جموع بني اسرائيل.

كان البحر أمامهم .. المهم سهلة إذاً .. منع نفسه من الابتسام في استمتاع وكرر لنفسه أنه لا يحب ما يفعل ولا يكرهه وانما هو عسكري غلبان.

فجأة توتر الجو, وزالت حالة التراخي, كان فرعون يستعد لمهاجمة بني اسرائيل بنفسه الآن وانتقلت حالة الترقب والتوتر هذه إلى الجيش كله.

كان بنو اسرائيل الآن أمام البحر وقد وقف موسى عليه السلام ليضرب البحر بعصاه 
راقب فرعون دونما فهم, ما يفعله نبي الله موسى وفجأة استحال عدم الفهم إلى ذهول ثم إلى رعب. 
لقد انشق البحر إلى نصفين, لابد أن كثيراً من الجنود بللوا سراويلهم .. هذا مشهد لم يره بشر من قبل. 
البحر انفلق إلى نصفين, فصار كل نصف كالجبل وبنو اسرائيل يمرون على الأرض بين الجبلين في سلام. 
قال رع أبو قتب لنفسه, فليذهب فرعون بنفسه ليقاتل هؤلاء ان استطاع .. تضائل فرعون وجيشه ومصر كلها الآن في نفسه أمام ذلك المشهد المهيب.

لكن فرس فرعون انطلق فجأة خلف بني اسرائيل, وخلفه قادته وخلف القادة الجنود ووجد رع أبو قتب نفسه الآن جزءاً من كل كبير يهاجم بني اسرائيل وسط البحر وعن يمينهم ويسارهم جبلان عظيمان من الماء.

في تلك اللحظات الشنيعة التي سيطرت فيها الفوضى على كل شيء قال لنفسه أن تحوت كان على حق, ادرك قبل أن يحدث أي شيء أنهم لن يخرجوا من هذا المكان وادرك أن فرعون أوردهم المهالك.

في لحظة, كان جبلان عظيمان من المياه المزمجرة الراعدة الغاضبة يندفعان نحوهما. 
الجيش كله يصرخ .. المجندون يصرخون .. الهواء نفسه يصرخ والغرق سوف يحاصرهم في لحظات. تمنى لو أن له كرة فيرجع ويهرب من جيش فرعون ولكنه تأخر كثيراً.