تثار التساؤلات حول تحول النزاع المصري السوداني إلى شكل جديد لا يفيد إلا إثيوبيا، بعد مطالبة السودان بحصته كاملة في مياه النيل، والتي كانت مصر تأخذ بعضها؛ لعدم حاجة السودان إليها، أو بتعويضه ماليا عنها منذ 1959.

وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، وفي مقابلة مع فضائية “RT” الروسية، الاثنين، أعلن أن موقف مصر من سد النهضة يتعارض ومصالح السودان، وقال إن مصر ستخسر مياه السودان التي كانت تذهب إليها؛ بفضل السد، مشيرا إلى أن القاهرة كانت تأخذ من حصة الخرطوم بمياه النيل، وأن الوقت حان بأن تدفع مصر ما عليها من استحقاق، وتحصل السودان على حصتها كاملة (18.5 مليار متر مكعب سنويا).

وأكد أن السودان “لم يتوقف عن تقديم اقتراحات لمصر بمشاريع زراعية مشتركة للقمح شمالي السودان، تواجه دوما بالرفض”، موضحا أن بلاده لن تتنازل عن حلايب، مقترحا على مصر “إعادتها للسودان بقرار سيادي، كإعادة جزيرتي (تيران وصنافير) للسعودية، أو بالتحكيم الدولي”، قائلا: “نحن والمصريون حبايب إلى أن نصل إلى حلايب”.

من جانبه، رد سامح شكري وزير خارجية الانقلاب، بقوله إنه “من المستغرب طرح الأمور على هذا النحو، والحديث عن دائن ومدين في العلاقات المائية بين البلدين، مضيفا أنه “من غير المفهوم تداول هذا الموضوع وسط خضم إعاقة الدراسات الخاصة بتأثير سد النهضة على استخدامات الدولتين، متسائلا عن أسباب ودوافع تلك التصريحات غير الدقيقة في هذا التوقيت.

وأعلنت مصر، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أن المفاوضات الفنية حول سد النهضة الإثيوبي بين مصر والسودان وإثيوبيا قد فشلت، ما أثار ضجة وغضبا ومخاوف بين المصريين، فيما قال قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، قبل أيام، إن مصر لن تقبل تخفيض حصتها من مياه النيل.

أوراق القوة لكلا الطرفين

 

ويمتلك كلا الطرفين المصري والسوداني أوراق قوة بمواجهة الآخر، حيث تلعب القاهرة بملف جنوب السودان، وتقدم الدعم لحكومة جوبا، ومؤخرا تمكنت من التوفيق بين فرقاء الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما أن الخرطوم تتهم القاهرة بدعم المعارضة السودانية ضد نظام الرئيس عمر البشير، وهو ما تنفيه القاهرة.

 

وتواصل مصر الضغط على السودان في منطقة حلايب وشلاتين، وتتهم الأخيرة الأولى بعمليات تمصير حلايب.

 

أما السودان، فيقوم بالضغط على مصر بملف المياه بالتوافق فيه مع إثيوبيا، حيث أعلنت الخرطوم مرارا أنها مع بناء سد النهضة على خلاف رغبة المصريين، كما أنها نحت جانب أديس أبابا بشأن الدراسات الفنية للسد، ما دفع مصر بعد 17 جولة مباحثات ثلاثية لإعلان فشل المفاوضات.

وفي تعليقه على تصريحات غندور، كتب الإعلامي عبد الفتاح فايد، تحت عنوان “السودان ينضم لإثيوبيا”، أنها “تصريحات خطيرة”، مضيفا عبر فيسبوك: “وتعني أن السودان مع إقامة السد، وأن حصة مصر ستتراجع، ليس فقط بسبب ما يحتجزه السد من مياه، ولكن لاستقطاع حصة السودان”.

 

لا للتصعيد ولا للتفريط

 

ويرى الكاتب الصحفي محمد السطوحي، أن “السودان له مصلحة واضحة في سد النهضة، وهذا لا يعيبه، فكل دولة تبحث عن مصالحها، ومنها مصر”، مضيفا أن “الإشكالية ألا يكون ذلك على حساب دولة أخرى لها علاقات تاريخية وأخوية بها مثل مصر”، محذرا من أن “تصعيد التوتر بين البلدين هو الذي يجر لهذه المنطقة، وهو ما يصب لمصلحة إثيوبيا، خاصة بعد اتفاق الخرطوم بين الدول الثلاث”.

وفي حديثه لـ”عربي 21″، قال السطوحي: “أرى أن تخرج مصر من أسر هذه الاتفاقية بإلغائها، ربما بعدم موافقة مجلس النواب عليها”، مشيرا إلى أن ذلك “يعطينا حرية أكبر في الحركة على المستويين الدولي والإقليمي، ومحاولة تهدئة الأمور مع السودان، الذي لا يزال يرفض المساس بحصة مصر”.

وأوضح المحلل السياسي المصري، أن هذا لا يعني تسليم (حلايب وشلاتين) للسودان، مضيفا: “المشكلة أن تسليم (حلايب وشلاتين) للسعودية زاد من حساسية السودانيين؛ بسبب ما يرونه من تعنت مصري (من وجهة نظرهم) بشأن تسوية الخلاف على تلك المنطقة بالحوار أو التحكيم”.

وأكد أنه يجب أن “يتم فتح حوار معهم دون إعلان رسمي؛ لنزع فتيل الأزمة، دون التزام من مصر بشيء، لتوضيح الوثائق والأسباب التي تدعم موقف مصر”، مضيفا أنه “في الوقت نفسه يجب العمل مع السودان؛ لضمان ألا تتصرف إثيوبيا بما يضر مصالح أي من البلدين، مع التوضيح للجانب السوداني أن الأمر أكبر من أي مناورات بشأن أي قضايا أخرى خلافية، وأن مصالح السودان مع مصر لا يمكن التضحية بها”.

وحول ما أثير حول دفع مصر مقابل لما حصلت عليه من نصيب السودان، أوضح السطوحي أنه “لم يكن هناك طلب سوداني صريح، بل تلميح قد يصل لحد التصريح لو استمر تصاعد التوتر”، مقترحا “ضرورة وجود سياسة حكيمة هادئة وحازمة، بعيدا عن التخبط السياسي والشرشحة الإعلامية التي أضرت مصالح مصر وعلاقاتها”، داعيا “للاستماع إلى وزير الري الأسبق الدكتور نصر الدين علام، وخبير الشؤون الإفريقية يحيى غانم، كخبراء بالملف”.

حق للجميع

وفي تعليقه، أكد عضو حزب الوسط المصري المعارض، وليد مصطفى، أن “ملف النيل لا يقتصر على نظام معين، ويبدأ من عهد مبارك، وكان يمكن وجود حلول جيدة لمشكلة السد لو كان مبارك أوقف غضبه على إثيوبيا بعد محاولة اغتياله وتجميد العلاقات، وأقام مشروعات كهربائية وتنموية لإثيوبيا ورواندا وبوروندي ودول حوض النيل”.

 

وأضاف مصطفى لـ”عربي 21″، أنه في عهد الرئيس محمد مرسي كان ملف سد النهضة علامة لوجود انقلاب عليه، بغياب سيطرته، إثر إذاعة الحوار الوطني حول سد النهضة علنيا، وكان سكوت مرسي كارثة”.

وأضاف أن ملف سد النهضة كان بالنسبة للانقلاب الكارت الذي لعب به مع دول إفريقيا؛ للاعتراف به، مقابل الموافقة على شروط إثيوبيا، كما لعب بملف الغاز، وتنازل عنه لقبرص، كمدخل للاتحاد الأوروبي، وشراء طائرات الرافال وحاملات الطائرات من فرنسا، والغواصات والتربينات من ألمانيا؛ للاعتراف به كسلطة شرعية”.

وأكد أن السيسي “قادر على حل الأزمة بعلاقاته المتشعبة مع أمريكا وإسرائيل والسعودية والخليج، التي تسمح له بالوصول لحل وسط مع إثيوبيا، مع ظروف المنطقة التي تتغير حاليا”.

وأوضح أنه “بالنسبة للشعب المصري والسوداني والإثيوبي وشعوب حوض النيل، فالاتفاقية القديمة التي حددت نسب مصر وضعها المستعمر، الذي أراد أن يعطي مصر والسودان حقا أكبر من المياه؛ لأنه مستفيد، ويعتبرهما سلة الغذاء بالنسبة له”.

وقال إن “النقطة التي يجب الاتفاق عليها هي أن من حق جميع دول حوض النيل أن يكون لها حصة عادلة تكفي للتنمية، ومصر كدولة لديها نسب عالية من السكان واحتياجها أعلى؛ فهنا يجب الاتفاق بينها حول كيفية تبادل المنفعة والخبرات؛ لتعويض ما يحتاجه طرف من الآخر”.

 

التقرير نقلا عن موقع | عربي 21