بقلم| أ. جمال فريد الغانم

جاء في التنزيل الحكيم في سورة المائدة : ” مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِنۢ بَحِيرَةٍۢ وَلَا سَآئِبَةٍۢ وَلَا وَصِيلَةٍۢ وَلَا حَامٍۢ ۙ وَلَٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ” (المائدة 103).

من هو صاحب الكلمة العليا ؟ من هو المشرع؟ من هو السيد ؟ ومن هو الآمر الناهي ؟ فكر بالعلاقة بين السائبة والبحيرة والايمان بالله ؟.

هذه الآية تؤكد أن الاسلام ليس عبادات فقط. فقد ثبت أنه ليس كهنوتاً وطقوساً وشعائرَ، وليس مجرد عباداتٍ، بل إنه منظومةً كاملةً تامةً شاملة.

انظر…. السائبة والوصيلة والحام ما هي؟ ثم اربط هذا بتهديد ابليس انه سيأمر ذرية آدم ان يبتِّكوا آذان الانعام، وهذا التبكيت يقوم به لإثبات أن آدم لا يصلح للاستخلاف. ففي تفسير قوله : ” وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ” (النساء 119)، قال: ولآمرن عبادك حتى ينسكوا له ويحرِّموا ويحلِّلوا الذي شرعته لهم فيتبعوني ويخالفونك.

البيان : نستنتج بكل وضوح أن الله يمنع الانسان من أن يقرر تحويل ناقة إلى بحيرة. ما هي البحيرة ؟ إنّها الناقة التي انتجت خمس أبطن بشرط أن البطن الخامس كان ذكراً، يقرر تحويل هذه الناقة الى بهيمة هائمة لا ينتفع بها او منها أي أحد . انظر كذلك الى حام : ما هو حام ؟ هو جمل قرّر مالكه أن لا ينتفع منه أحد بلا أيّ دليل من عند الله ….. فالله وصفهم بالمفترين على الله …. الله لا يسمح أن يصدر أي تشريع من عند غيره سبحانه.

لو نظر أي انسان إلى تحويل الناقة إلى بحيرةٍ لظنّ أنّه أمر مباح، لأن البعض يظنّ أنّ المباح هو المسكوت عنه ( مع انه لا يوجد شيء أهمله الشرع اطلاقا ). قد يظن إنسان أنّ لصاحب الناقة الحق أن يمنع الانتفاع بها . قد يظن إنسان أن من حق صاحب الجمل أن يحوله الى سائب ويحرم اي انسان من الانتفاع به. الأمر ليس بهذه البساطة فالتحريم والتحليل لله فقط، أي لا بد من وجود نص في الكتاب أو في السنة. فليست القضية تعبدية بل يضاف لها ” أكلهم الربا وقد نهوا عنه “، ويُضاف الاحتكار، ويُضاف الذبح لغير الله، ويُضاف مبايعة خليفة، ويُضاف تحريم المكوس، ويُضاف تحريم الغش، ويُضاف وجوب بر الوالدين ووجوب صلة الارحام وإيتاء ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل .

ضالّ من ظنّ أن النظام الجمهوري والديمقراطية والمجلس التشريعي تختلف عن البحيرة والحام. إنّها كلُّها افتراء على الله … ضالّ من يوهم الناس أن الشرع ناقص، وأن الشرع ترك اشياء للناس ليشرعوا لانفسهم . اقرأ وتدبر : ” قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت ” (الانعام 162).

لاحظ أن محياك كله لله وليس الصلاة والنسك فقط. بل كل حياتك بكل تفاصيلها وكل افعالك وكل اقوالك، وحتى تكفينك وحتى لحدك وطريقة دفنك وجثتك وعظامك؛ كل شيء له حكم شرعي . انتبه ليس أفعالك الشخصية فقط، بل كل ما يقع في المجتمع له أحكام يقررها الشرع. اقرا إن شئت عن فروض الكفاية ولاحظ أنها فروض، أي أنه من الواجب إقامتها وتنفيذها مع أنها ليست متعلقات فردية، ومع ذلك أمرك الله بها .

الشرع أوضح للناس كل شيء حتى دخول بيت الخلاء والجلوس على مقعدة الخلاء، وأوضح الغرائز كلها والحاجات العضوية كلها والرغبات كلها، وأنه كيف على الانسان أن يتصرف تجاهها لأنه الدين الكامل “أكملت لكم دينكم” (المائدة 3).