بقلم| محمد عبد العزيز

بصرف النظر عن شرعية أو بطلان و استقامة أو انحراف دولة أو مجتمع فالإرهاب وسيلة أساسية تستخدمها كافة الدول و المجتمعات في صور مختلفة بهدف ضمان تحقيق الاستقرار الداخلي و الردع أو التوسع الخارجي. فالأحكام القضائية و العقوبات بكافة أشكالها ما هي إلا صنف من صنوف الإرهاب و التخويف للردع و الزجر للمجموعات و الأفراد حتى يمتنعوا عن ارتكاب أفعال معينة لا يقرها و لا يريدها النظام القائم عليها. أما على المستوى الخارجي فاستعراض قوة جيش الدولة و سطوتها و قدراتها يمثل إرهاباً و ردعاً للدول الأضعف بهدف تحييدها لدرء خطرها، أو ابتزازها.

الإرهاب الواجب.

الإرهاب الواجب أمر إلهي و رد في أكثر من موضع في القرآن، فعلى المستوى الدولي نجد قوله تعالى ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ” الأنفال (60) فإرهاب الإعداء بالإعداد و الجاهزية و القدرة المؤكدة على الردع فرض عين على عموم أمة المسلمين بنص القرآن الكريم، و العقوبة العاجلة لتركه، هي ما نعيشه اليوم من الذلة و الصغار و العبودية و الانبطاح و تسلط الخونة و الفسدة و أعداء الملة و الدين. أما في داخل المجتمع فقد أنزل الله الحدود الشرعية الرادعة التي أرهبت المخربين و المفسدين في الأرض و حفظت الناس من شرورهم و من أمثلتها حد الحرابة في الآية الكريمة ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” المائدة (33) روعة الإرهاب. إن الإرهاب الذي أمر الله به المؤمنين من أروع التشريعات التي صانت أعراضهم و حفظت بيضتهم من أن تستباح و أخافت الأعداء من مواجهة المسلمين فمنعت حروب و حقنت دماء و وفرت جهود و أنفُس و أموال وُجِّهَت للنهضة و البناء و أعطت المهلة لإزدهار الحضارة و تطور العلوم و تحسن ظروف الحياة، فكان هذا الإرهاب “الإسلامي” نعمة على المؤمنين و أعدائهم على السواء.!!!

كما أن الحدود الشرعية الرادعة حفظت للمجتمع تماسكه و منعت تفشي الظلم و البغي و الفاحشة و حفظت الدين و المال و العرض و قضت على فيروسات الكفر و الشر التي حاولت تقويض دولة الإسلام من الداخل و ألزمت جرذان الشر جحورهم.

سلاح الرعب

ثبت في عدة أحاديث صحيحة في البخاري و مسلم و غيرهم قول الرسول الله صلى الله عليه و سلم ” و نُصِرتُ بِالرُعب ” سلاح الرعب من أقوى الأسلحة الناجزة في مواجهة الكفار و الزنادقة و المجرمين، ذلك أنهم أحرص الناس على حياة لا يؤمنون بغيرها، هي في وجدانهم البداية و النهاية و ليس بعدها إلا العدم، ففكرة الموت تصيبهم بالرعب و الفزع، فلا يقاتلون إلا متحصنين. و قد ضرب الله في القرآن مثلاً لبنو النضير لما قذف الله الرعب في قلوبهم فشل أركانهم و أذهل عقولهم و أوهن عزمهم فتركوا حصونهم و المدينة و تم إجلائهم منها بدون مقاومة، يقول تعالى ” هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ” الحشر (2) فسلاح الرعب سلاح أساسي ينبغي ألا يغفل عنه المؤمنين في قتال و مواجهة أعداء الداخل و الخارج و أذنابهم و عملائهم و من الواجب عليهم تحقيق أسبابه.

الغرب و سلاح الإرهاب

لقد أدرك الغرب قيمة هذا السلاح الفتاك منذ أمدٍ بعيد، فعملوا على تجميع و استعراض القوة بشكل مستمر لتيئِيس الشعوب المُستَعمَرَة و المُستَعبَدَة مِن مُحاوَلَة الثورة عَلَيهِم وَ عَلى عُملَائِهِم أو التصدي لعُدوانِهم أو استنقاذ حقوقها من بين براثنهم، حتى أن بلد مثل أمريكا تنفق سنوياً على جيشها أكثر من نحو(500.000.000.000)، خمسمائة مليار، نحو ربع هذا المبلغ على الأقل ينفق على استعراض القوة و إرهاب دول العالم ما يفوق (125.000.000.000) مائة و خمسة و عشرين مليار دولار.!!! لقد استخدم أعداء الإسلام و على رأسهم أمريكا كل أساليب الإرهاب الأسود و التخويف و الضغط السياسي و الإعلامي و الاقتصادي و التشريعي و المخابراتي و العمليات القذرة من التعذيب و القتل على الهوية و الإبادة الجماعية و التمثيل بالجثث، كل هذا بدون أي مبرر شرعي أو أخلاقي، تحت مسميات التحرير و التعاون الدولي و محاربة الإرهاب، بينما جَرَّموا الحق المشروع للشعوب المقهورة في القصاص و المقاومة و حاربوه تحت ستار مصطلح الإرهاب.!!!

لماذا أصبح الإرهاب المشروع منكراً عند المسلمين؟!!!

في الوقت الذي استخدم فيه الغربيون الإرهاب دون ضوابط و جندوه للظلم وسخَّروه للعدوان في أشنع صوره، حرصوا على أن يسلبوا هذا السلاح الفتاك من أيدي أعدائهم “المسلمين”، فقاموا بإجراءات مدروسة أهمها: – حملات إعلامية جبارة ضد مصطلح الإرهاب دون تحديد دقيق لمعناه. – تجريم دولي لاسم مصطلح الإرهاب دون اعتبار للمسمى و بصرف النظر عن ماهيته و دوافعه و أهدافه. – رعاية و تنظيم عمليات قذرة ضد المسلمين من خلال تنظيمات تحمل شعارات إسلامية. – حملات تضليل و تشويه مستمرة ضد أي نوع من الإرهاب المشروع الذي يستهدف مقاومة الاحتلال و الفساد طالما لا يتوافق مع مصالح الغرب. – الاستعانة بالقادة و الحكومات العميلة في الدول الإسلامية و العربية لتأكيد هذه الأفكار و غرسها من خلال مشايخ السلطة و وسائل التعليم و الميديا المختلفة. و لقد نجحت خطة الغرب بامتياز فتمكنوا من رسم صورة ذهنية بشعة و قبيحة لمصطلح الإرهاب في عقول المسلمين حتى أصبح الجميع بما فيهم أكثر علماء الدين يتبرأ فوراً من المصطلح إذا ألصق به، و يتحاشى في دروسه المرور بالآية 60 من سورة الأنفال.!!!

حقيقة يتجاهلها الكثيرون

الإرهاب المشروع يعتبر أكبر عقبة تقف في طريق المستعمرين و المستبدين و كل أنواع الفساد التي تهاجم جسد الأمة في الداخل و الخارج على مر العصور و هو السلاح العملي الفعال لمن لا يملك الأموال الطائلة و التنظيم المؤسسي الذي يتيح له تكوين جيش و الدفاع عن نفسه من خلال حرب نظامية، و ما تجرأ مجرموا الداخل و الخارج على التمادي في جرائمهم إلا عندما أَمِنُوا مِن إِرهَاب المُسلمين، و حتى تكون النقاط على الحروف، فالإرهاب لا يكون مشروعاً إلا عندما تقتضيه الضرورة و تكون دوافعه مشروعة، و أهدافه مشروعة، و وسائله و أدواته مشروعة، و تفعيله مطلوب و مجاله و توقيته محسوب.

إن تحسين صورة الإسلام لا يكون بترك بعضه، أو إغفاله أو إخفائه ، ولا بتسمية المسميات بغير أسمائها، فلقد وقفت أمتنا بإرادتها في قفص الاتهام، كلما أشار أعدائها بإصبع الاتهام إلى نص أو مفهوم إسلامي تبرأت منه الأمة و تنازلت عن جزء من دينها و منهجها الذي رسمه الله لها، فتبرأت من مصطلح الإرهاب، ثم الجهاد، ثم النقاب، و تمادى البعض فتبرأوا من الحجاب، حتى نفى البعض عن نفسه صفة إسلامي، و إن استمر الحال على هذا فقريباً سيتبرأون من الصلاة.!!!

………. محمد عبد العزيز ……….. 3/5/2015