بقلم| محمد عبد العزيز

المال من مقومات الحياة و أساس من أساسيات التعامل بين البشر، و هو الذي أوردهم المنافع و حقق مصالحهم و هو أيضاً الذي أوردهم المهالك إلا من رحم الله. على الحقيقة كل الناس يحبون المال إلا ما عز و ندر، و هذا ليس عيباً في حد ذاته و لكن العيب يكمن في شكل هذا الحب و طبيعته، فقد انقسم الناس في حب المال إلى مذهبين رئيسين:

المذهب الأول: حب منفعة المال و هذا ينسحب على الصالح و الطالح و العالم و الجاهل فمن طبيعة الإنسان و خصائص فطرته كراهة الضر و حب المنفعة و ليس في هذا بأس فحتى الرسل و الأنبياء باعو و اشتروا و قضوا مصالحهم و معايشهم كبشر من خلال المال، فلم يكرهوا منفعته رغم أنهم أزهد الناس في متاع الدنيا. لكن مفهوم المنفعة نفسه يختلف من شخص لآخر ، حيث يتراوح حب منفعة المال من مستوى القناعة بالمتطلبات الضرورية و الأقل من الضرورية أحياناً، إلى مستوى النعمة و الترفيه، إلى البذخ، إلى الإسراف، إلى السفه، إلى الخلل النفسي و الهوس الذي قد يصيب البعض بجمع أشياء نافعة يعلم يقينا أنه لن ينتفع بها، كحالة المطربة المشهورة التي كانت تقتني دولاباً مليئاً بالأحذية لا تستخدمها، و تجمعها فقط لتعويض مركب نقص أصابها و هي صغيرة عندما حضرت من قريتها إلى القاهرة فقيرة حافية.

المذهب الثاني: حب ذات المال و هذا بيت الداء و أصل البلاء. فإذا كان حب المنفعة يتراوح بين التقشف و التطرف و يشترك عموم الخلق في درجة منه بمن فيهم الأنبياء و الصالحين، فإن حب ذات المال يبدأ بداية من التطرف و هو علامة فساد حقيقية في نفس عاشق ذات المال، فالعاشق لذات المال الذي يحب النقود في حد ذاتها و يعشق أوراقها و مظهرها و تبهجه كثرتها و إكثارها، يجد لذة لا تنتهي و نشوة لا تنقطع في جمع المزيد و المزيد بلا سقف أو حدود بصرف النظر عما يلزمه أو حدود حاجاته المتحققة و المحتملة، بل أنه قد يضحي بالكثير من مصالحه و يحمل نفسه أعباء و حرمان هو في عنى عنه في سبيل جمع المزيد و المزيد و ارتفاع و تضخم الرصيد، و هنا تظهر أنماط من البخل و الطمع و الشح و الجشع. و حتى إن رأيت بعض هؤلاء يعيش في بحبوحة فسيقتصر جوده على نفسه و ملذاته و شهواته و حسابات الضرورة مثل المظهر الواجب لتسيير الأعمال و التعايش مع مجتمع الأثرياء بينما لا يزال يؤلمه الإنفاق ذلك أن الشح متأصل في نفسه.

و عشق ذات المال أيضاً مراتب و درجات لكنها كلها سيئة، فهي تبدأ بالبخل و تنتهي بالإجرام و عبادة المال و الشيطان، و المتأمل لواقع حال عشاق ذات المال يجد اكابر أثرياء العالم منهم هم أكابر المجرمين و أكثر الناس انحرافاً و فساداً و إفساد في الأرض، و إجرماً و اتباعاً للشيطان. إن حاجات الإنسان الضرورية محدودة و حتى حاجاته الترفيهية محدودة أيضاً فمهما بلغ انسان من الغنى و الثراء فاستمتاعه بملذات الحياة لن يتجاوز قدر طاقته، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في قلبٍ مريض فيه جُوعٌ لا يُسَد، و طَمعٌ لا يُعَد و نَهمٌ لا يُحَد.