بقلم | أمينة أمين

تشاء الأقدار أن يحكم بوتفليقة بلداً كالجزائر بحجم قارة، التي تعد الأكبر مساحة في إفريقيا بعد تقسيم السودان. بلد يزخر بكل الخيرات ثروات تحت الأرض وفوق الأرض، وثروة شبابية تقدرب70% وتنوع تضاريسها ومناخها، لا ينقصها شيئ، سوى طبقة حاكمة تكون في خدمة هذا الشعب بميزان العدل والحق .

لقب بوتفليقة الغريب عن الجزائر لا تجده في أي منطقة من المناطق الأخرى. قد تجد عائلات تحمل نفس الألقاب ولا تربط بينهم أي قرابة، إلا عائلة بوتفليقة إنفردت بلقبها ولا نعرف حتى إن كانوا جزائريين الأصل، هذه العائلة التي كانت تقيم في الجارة المغرب، لا نعرف عن تاريخها سوى أن والدة عبد العزيز كان لها حمام شعبي ويقصده قادة جيش الحدود، وعلى رأسهم بوخروبة المدعو هواري بومدين الذي إستولى على الحكم فيما بعد. كان الحمام ملتقى الحرام و الليالي الحمراء، وعبد العزبز يقضي لياليه في مراقص الدار البيضاء وبرشلونة. كانت والدة بوتفليقة توصي المقبور هواري بومدين على إبنها عبدالعزيز بحكم أن بومدين له علاقات ومعارف، لأن السيدة منصورية والدة عبدالعزيز كانت تطمع بأن ينال إبنها منصب في الجزائر مابعد الإستقلال. وبالفعل كان عبد العزيز بوتفليقة من جلباب الرئيس هواري بومدين. بعد الاستقلال الوهمي تقلّد عبد العزيز بوتفليقة عدة مناصب منها وزير الشباب والرياضة والسياحة في عمر 25 سنة مابين عامي 1962 الى 1963، ليتم تعيينه بعدها وزيراً للخارجية مابين عامي 1963 إلى غاية 1978، يقضي أطول لياليه متجولاّ بين فنادق فخمة في باريس وفيينا وجنيف وروما. وبعد إصابة الرئيس هواري بومدين بوعكة صحية مفاجئة، التي كانت من أسبابها التسمم الذي أودى بوفاته.

برحيل هواري بومدين كبر الحلم لدى عبد العزيز بوتفليقة ليكون خلفاً لعرّابه بوخروبة، لكن المؤسسة العسكرية أطاحت بحلمه وكان الإجماع على العقيد الشاذلي بن جديد وتم تنصيب عبد العزيز في منصب مستشار الرئيس سنة 1979 إلى غاية 1980. وبعد قضاءه 6 سنوات في الخارج بسبب ملاحقته قضائياً في الجزائر بتهم فساد مالي، سمح له الرئيس الجزائري آنذاك، الشاذلي بن جديد، بالعودة مع ضمانات بإسقاط التهم عنه. يقول عنه أحد الرؤساء الفرنسيين في مذكراته، أنه كان يأتي أحياناً متنكراً لباريس، “يؤجّر جناح فاخر بأفخم الفاندق الباريسية و تتعاقب وجوه جميلة على ذاك الجناح و يسهر الجميع إلى ما بعد الفجر، أسبوع أو عشرة أيام ثم يغادر، متنكرا أيضا.” حينما كان يحمل جثمان بومدين قادماً من موسكو، طاف بوتفليقة بالطائرة فى الأجواء الفرنسية و أبرق برسالة إلى الرئيس الفرنسي يلمح فيها إلى أنه سيصبح هو الخليفة عن قريب. كان سارق أموال الطلبة و مختلس أموال السفارات وزير نساء ولاهث وراء الملذات، وكانت كل مخابرات العالم تعلم بعبثه و لهوه. ويقال أن في أحد المرات تلقى صفعة من الرئيس الأول للجزائر مابعد الاستقلال، أحمد بن بلة بسبب أن عبد العزيز كان في الفندق يلهو، بينما وفد أجنبي ينتظر ملاقاته.

صفعة كف عجّلت برحيل بن بلة الذي إستقدمه بومدين لحين يرتب شؤونه. ويقال أيضا لما تمت في حقه شكوى لدى الرئيس الأسبق بومدين، دافع عنه حيث قال “إنه شاب والشباب يحبون الزهو” يختار العسكر أقدم عقيد في أعلى رتبة(الشاذلي بن جديد) و يتهم القضاء بوتفليقة بالسرقة و يفرّ إلى ماوراء البحر و يقضي أيامه بين أبوظبي ودبي وجنيف، مروراً بالعتبات والمراقد في دمشق يتمسح بقبور آل البيت. في فبراير 1994 يقترح عليه كابرانات فرنسا، أن يتولى منصب رئيس الجمهورية، يقبل ثم يتراجع لأن الخوف تملّكه من المرحلة الأخطر التي كانت تسود الجزائر أنذاك. يعاودون الإتصال به ويقترحون عليه نفس المنصب 1998، ويقبل هذه المرة و إشترط أن تكون نتيجة الفوز ساحقة وكان له ماأراد، وتسلم الحكم من الرئيس اليامين زروال الذي لم يكمل عهدته وطالب برئاسيات مسبقة بسبب الضغوطات، التي مارسوها عليه جنرالات الدم حتى رمي بالمنشفة. في حقيقة الأمر كان عزلاً بطريقة غير مباشرة. يتسلم الحكم الغير الشرعي من نظام غير شرعي، بعد سنوات الإنقلاب على الإنتخابات التشريعية، التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ومذابح وإختطافات وإغتصابات في حق الشعب الجزائري الذي أراد التغيير الجذري والعودة الى أصله، لا شرقية ( الاشتراكية الشيوعية) ولا غربية ( الرأسمالية) إنما جزائرية إسلامية.

تولى الحكم وغيّر الدستور ليفتح العهدات لنفسه ويجعل الجزائر ملكيته الخاصة، لم يكن يحكم وحده بل عائلته أيضاً. والدته كانت تقيل من لايعجبها حتى شكله وتنصب على هواها، وإبنها الرئيس ينفذ ويقول “الحاجة ماقبلتش” كان يعشق والدته عشقاً جنونياً ولا يرفض لها أي طلب كانت ساحرته المفضلة.

عبدالعزيز بوتفليقة هذا الذي سحر أعين الناس بالكلام المعسول والأحلام والأوهام ودغدغة المشاعر كان يصول ويجول، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، داخل الوطن ولم تتوقف طائرته وهو يجوب العالم، ليرضي الأسياد ويكسب ودهم. و من حسن حظه أنه حكم الجزائر في زمن البحبوحة المالية وأغدق على من هب ودب. كانت سياسة النهب على أوجّها، نُهبت 1000 مليار دولار و تم مسح الديون لدول إفريقية وعربية وضخت الأموال في البنوك العالمية و ال200 مليار دولارصرف إحتياطي للعملة الأجنبية، تم قرضها لأحد البنوك الأمريكية لم نعد نسمع عنها أي خبر والمؤكد أنها خرجت كرشوة كسب الرضا وإستمرارية حكم بوتفليقة.

وفي سابقة لم تحدث من قبل صافح بوتفليقة رئيس الوزاراء ايهود باراك على هامش مراسيم جنازة ملك المغرب الحسن الثاني في الرباط وعرض عليه المساعدة إن إحتاجها من الجزائر و تناقلتها وسائل الإعلام العالمية. صور اللّقاء تلقًاها الشعب الجزائري بغضب شديد، وحين سألته الصحافة بعد عودته من المغرب، رد بكل برودة وخبث “إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها”. رئيس مهوس بالسلطة والإنتقام، ماجاء ليحكم الجزائر إلا إنتقاماً ممّن حرموه كرسي الرئاسة و من إتهموه بالإختلاس، ومن شعبها المحافظ. لم تعرف الجزائر ما بعد الإستقلال أحلك أيامها في الفساد المالي والأخلاقي إلا تحت حكمه، رهن البلاد بقوانين جائرة تخص المحروقات و جعل البلد تحت حكم اللوبيات ومافيا المال والأعمال، وجعل من البرلمان وكر للعصابات ومن الصحراء محميات لأمراء الخليج لممارسة هواياتهم المفضلة في صيد الغزلان وطائر الحبّار النادر المهدد بالإنقراض، بسبب عشوائية وعبثية الصيد في واحات الصحراء الخلابة الممنوعة عن الجزائريين. رئيس إحتقر برلمانه و لم يناقش برلمانييه، ولم يدخل قبتة طيلة حكمه، متعجرف متكبر، مصاب بالنرجسية المفرطة وجنون العظمة، وعقدة النقص في نفس الوقت، ورغم مرضه لم يتخلى عن الحكم وأصبح رهينة أخوه السعيد الذي حكم العهدة الرابعة من وراء الستار.

و بدون خجل يتم تسويق حملة إعلان الترشيح للعهدة الخامسة بدون حتى أن يظهر بلحمه وشحمه وبكرسيّه المتحرك وإنما بإطار صورته أو ماسمي بالكادر، وهذا لم يحدث عبر تاريخ البشرية. إنتفض الشعب و رأى في الأمر إهانة له وطفح كيل غياب الرئيس عن الشعب الذي لم يخاطبه فيها قرابة 6 سنوات، زوروا حظوره في السياسة العامة للبلد عن طريق الأرشيف وبثّوه على قنواتهم التلفزيونية المخابراتية على أساس أنه موجود وبصحة جيّدة.

عُزل الرئيس المريض بتمثيلية هندسها العسكر وأحيكت ضد الحراك، الذي طالب بتطبيق المادتين 7 و8 و تسليم السلطة للشعب، وبعد شهور من الحراك تم فرض أمر الواقع بإجراء إنتخابات لم يشارك فيها إلا جنودهم بالزي المدني والطبقة المستفيدة من المحاباة والرشاوي والنهب لتكتمل العهدة الخامسة البوتفليقية بإمتياز بوجه عبد المجيد تبون، الذي أقسم بأن برنامج فخامة عبد العزيز بوتفليقة لن يتوقف. بوتفليقيوس الجزائر لازال يعيش في قصر الرئاسة ولازال يتقاضى راتبه كرئيس، ويتميّز بكامل حقوقه، ولم يذكر إسمه في الفساد ولم يكن مطلوباً في المحاكم، على غرار بعض الوزراء ورجال الأعمال الذين تم محاكمتهم بتهم الفساد، كذر الرماد في العيون.

وراء آل بوتفليقة الماسونية العالمية التي نصبته رئيساً شرفياً لها على رأس نادي الروتاري بالجزائر . عبد العزيز بوتفليقة كان حلم حياته كرسي الرئاسة حتى مماته و لن يدفن إلا بمراسيم جنازة رئاسية. كان عبد العزيز و عائلته، لعنة على الجزائريين، و تقاسم مع نابليون بونابرت الخبث و متلازمة قصرالقامة و صدقت فيهما مقولة كل قصير فتنه، و شرّكم وأقربكم إلى الأرض أشدّكم بلاء