بقلم| أمينة أمين

جماجم كانت محفوظة في متحف الإنسان بباريس لم يكن يعلم بها المسؤولين ولا المواطنين، جماجم تعود لقادة في المقاومة الجزائرية قتلوا، وقطّعت رؤوسهم من قبل قوات الإستعمار الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر، ثم نقلت إلى العاصمة الفرنسية تعبيرا على نشوة الإنتصار . ويعود أوّل إكتشاف لهذه الجماجم ولمكان تواجدها إلى عام 2011، إثر تحرّكات وأبحاث تاريخية طويلة قام بها المؤرخ الجزائري علي فريد بلقاضي، أثبت من خلالها عن وجود 36 جمجمة، في متحف الإنسان بباريس، تعود لمقاومين جزائريين قادوا المقاومة في الفترة الفاصلة بين عامي 1830 و1870 و تحصّل على صور لتلك الجماجم إلى جانب بعض التفاصيل المطابقة بشكل كامل لأوصاف هؤلاء القادة، وقد كانت هذه أول خطوة للتعرف على مكان تواجد الجماجم.

هذه الجماجم وصلت إلى فرنسا لأنها كانت ترسل من قبل الجيش الإستعماري كمؤشّر إنتصار على القوى المقاومة، لتتحول إثر ذلك إلى مادّة علمية استقطبت العديد من علماء الانتروبولوجيا، علاوة على وجود سبب آخر وهو أن رؤوس زعماء المقاومة كانت تقطع لتعلّق في المدن والساحات العامة كرسالة للجزائرين مفادها “قتلنا قادتك”.

إبراهيم السنوسي، الأستاذ في جامعة سيرجي بونتواز في ضاحية باريس الغربية، الذي بادر في الأعوام الماضية، بإطلاق عريضة تطالب بإعادة هذه الجماجم إلى الجزائر، جمعت أكثر من 30 ألف توقيع. وقد صرح مسؤولين فرنسيين بعد تفجير ملف جماجم الشهداء على أنهم لم يتلقون أي طلب من السلطات الجزائرية لإسترجاعها.

الملف تم إثارته أيام حكم الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة في عام 2016 ، والإتصال الأخير الذي تم بين تبون وماكرون كان حديثهما على تنفيذ خطة تسليم الجماجم مقابل مجموعة من التنازلات. بوتفليقة هو صاحب الخطة، بدأ مسرحية الجماجم وختمها تبون لرفع شعبيته وهذا ماقامت به العصابة الحاكمة، إسترجعت 24 جمجمة من أصل 536 المتبقية في متحف الإنسان بباريس للبحث عن الشرعية المفقودة التي لم يتحصل عليها واجهة حكم العسكر المعيّن عبد المجيد تبون. عصابة الحكم لا تفوت أي فرصة إلا وإستثمرت فيها وإختارت توقيت موعد ذكرى الاستقلال، وجلبت جماجم الشهداء لتعطي الحدث الزخم الإعلامي الكبير وتستعد للإحتفالات وإلهاء الشعب عن الحراك والأوضاع المتفاقمة وإسترجاع نوع من المصداقية المفقودة.

لكن أين بقية الجماجم ..؟؟

لماذا إختصر العدد على 24 جمجمة في حين أن العدد هو 536 وهناك مصادر تقول أن العدد أكبر من ذلك المصرح به متواجدة بمتحف الإنسان. وهل سيكون جلبها بالتقسيط لإطالة وتمديد عمر هذا النظام الغير الشرعي في سدة الحكم وفرنسا تبتز أكثر !

هناك جماجم أخرى لنا الحق في المطالبة بها .. مامصير جماجم المفقودين والمقتولين في سنوات الجمر للعشرية السوداء، الذين يطالبون أهاليهم بالكشف عن الحقيقة وتسليم رفاتهم. إستعملتم في حقهم نفس أساليب القتل والتعذيب التي ورثتموها من أصدقاءكم الفرنسيين، في قطع رؤوس الأبرياء وصوركم التذكارية، وأنتم تحملون الرؤوس في أيديكم موجودة وتثبت إجرامكم في حق شعب أراد التغيير والتحرير. الأرشيف التاريخي الذي تحتفظ به فرنسا للتاريخ الأسود للعملاء والخونة لشخصيات جزائرية، تعود للحقبة الإستعمارية ولازالت في دوائر الحكم لا يمكن أبدا أن تطالب به الجزائر، وهو يعد كنز استراتيجي تبتز به فرنسا عملاءها. منظر المعيّن تبون ودموع التماسيح والموكب العسكري والمسؤولين السياسيين وكاميرات الإعلام المأجور في إستقبال الجماجم، كان مجرد تمثيل وتهويل للمشهد لصناعة اللّقطة التاريخية، لمن لا تاريخ لهم إلا الخيانة والعمالة والتبعية لفرنسا الإستعمارية.

عذرا يا أبطال المقاومة الشعبية كنا نودّ أن يستقبلكم الأحفاد في جزائر العزة والكرامة والإستقلال التام وليس تحت الوصاية لنفس المستعمر، الذي قاومتموه حتى قطّعت الرؤوس وحمّلت لتعرض في متحف اللإنسانية وليس الإنسان. وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ رحم اللّه كل ضحايا الجزائر من نعرفهم ومن لا نعرفهم من ماتوا في ساحات الجهاد و غرقاً في قوارب الموت هروباً من الأوضاع المزرية و قهراً من الظلم تعددت أساليب القتل وعصابة الإجرام نفسها.