بقلم| أ. أحمد فريد الغانم

الويل ثم الويل لمن يحبس مستقبل المسلمين ويحصره في حديث نبوي شريف، بحيث يلوي عنق النص فيجعله حصرياً، فالحق هو أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ليست كتاب تاريخ ولم تحدد المستقبل، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيخبرنا بكل جزئية وكل حدث، ولم يدون الصحابة هذا التسلسل.

الصحابة أمناء عدول ثقاة ؛ فبما أنهم لم ينقلوا هكذا تسلسل، فإن إدعاء التسلسل الزمني هو قول على الله بغير علم وهو بث لكلام باطل لم ينزل الله به سلطانا ، مثال: هذا الفهم الأعوج لحديث ” ……… فيملؤها عدلا بعدما ملئت جوراً” حيث يتمنى البعض أن ينطبق على زماننا فيبالغ في شتم اخلاق المسلمين المعاصرين ، ويبالغ في فضح ممارسات بعض الشواذ ويسعى لتصويرها وكأنها الحالة العامة .

تعال نتدبر التاريخ: الحسين بن علي لم يقبل وجود الطاغية يزيد ولم يدر في خلده الاستسلام للظالم بحجة انه بعد الخلافة الراشدة سيكون ملك عاض ثم ملك جبري .

سنجد أن عمر بن عبدالعزيز تولى أمر المسلمين بعد الحاكم الجبري الظالم يزيد، وسنجد أن صلاح الدين تولى أمرنا بعد الحكم الجبري الفاطمي الظالم ، ومثلهما حصلت حالات متعددة ، مما يعني انه بعد العدل سيأتي ظلم وهكذا دواليك . لو انك تقرأ يا أخي تاريخنا ستجد أن الامام العادل قد ظهر عدة مرات ( محمود بن سبكتكين وأورانج زيب ومحمود غزنوي والمنصور بن أبي عامر والمتوكل سليمان القانوني ومراد وعبدالحميد وغيرهم) وسيظهر مرات ومرات لأن مستقبل البشر من صنع أيديهم، ولسنا سن في دولاب، ولا يوجد شيء اسمه حتمية تاريخية، ولا شيء اسمه تطور طبيعي، ولا أي من الفلسفات التي تريد أن تصور الحياة وكأنها عجلة تدور أو دولاب يلف.

إياك أن تتخيل أنه قد تصادف وجودك (صدفة) ووجود زمانك في مرحلة معينة لا دخل لك فيها وبالتالي فلا ذنب لك إن كنت من أهل الجنة أو من أهل النار، هذه ترهات وخزعبلات فالإنسان ليس ابن بيئة بل هناك أوامر شرعية يجب تنفيذها. الحق هو : ” إن الله لا يغير ما بقوم ” القوم هم من يغيرون ما بأنفسهم، لا شيء اسمه حتمية تاريخية، لا شيء اسمه تطور طبيعي، بل المستقبل من صنع البشر ، فمن زرع حصد .

الخلافة الثانية والثالثة والعاشرة لا شيء يمنع قيامها، فإذا اجتمعت ثلة على هذه الفكرة وسارت على درب النبي صلى الله عليه وسلم وعملت على ايجاد “مهاجرين ” وأنصار مقتدية بالسنة النبوية ساعية إلى أهل النصرة ولدت خلافة ووجدت، لأن اتباع النبي حكم شرعي واجب الاتباع ولأننا لا يجوز أن نبتدع بل يجب ان نتاسى بالنبي. لقد أنار سماء تاريخنا مجددون مرات ومرات وبعضهم وصل إلى الحكم ونشر العدل حتى شهد لهم التاريخ أنهم كانوا بمستوى أبي بكر وعمر اكثر من مرة، فمثلاً: شهد الفقهاء وشهد المؤرخون لأكثر من عشرة من الخلفاء العباسيين أنهم في العدل لم يكونوا بأقل من أبي بكر الصديق، وقد جاء الواحد منهم بعد حاكم أصاب بعض الظلم أو الفساد والتقصير، وهكذا كانت الحياة بين تمسك بالشرع وتفريط طيلة التاريخ. ومن غير العباسيين اذا قرأت عن : – اورانغ زيب في الهند من الراشدين. – محمود سبكتكين – المنصور بن ابي عامر – عثمان بن فودي – محمود غزنوي – يوسف بن تاشفين – صقر قريش تجد ان هؤلاء خلفاء راشدون مع ما في الكلمة من معنى وتجد ان من نصرهم رجال اتقياء عدول صالحون .

اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ستكون خلفاء فتكثر ” وكلمة تكثر تدل على ما فوق ١٠ وقد زخر الزمان بعشرات ممن يستحق صفة خليفة بعدله وتقواه . إن ايهام الناس أنهم يعيشون حقبة زمنية اسمها الملك الجبري، وأن كل الأحاديث الواردة في الحكم الجبري تنطبق عليهم سيجعلهم يعتبرون الحكم الجبري قدر من قدر الله، وأن الله هو الذي يحدد ميقات ولادة الخلافة أي أنه لا دور ولا واجب علينا، وهذا كلام ما أنزل الله به من سلطان بل إنه يناقض الشرع، كيف ؟

الله سبحانه أمر بمبايعة خليفة في كل زمان، فهذا فرض! ولا يحل لمسلم أن يقول نحن في زمن الحكم الجبري وبالتالي يعتبر نفسه معفى من البيعة، أجمع العلماء بلا استثناء أن البيعة فرض. لا تقبل ان تكون ابن زمن رديء بل قم للتغيير ، قم وانكر المنكر ، قم فأنت مأمور من رب العرش . وبناء عليه وجب العمل لإيجاد خليفة والقيام لمبايعة خليفة. التقصير اثم ، واختراع الاعذار إثم.